للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَنْ ابْنِ عبّاسٍ) - رضي اللَّه تعالى عنهما -، أنه (قَالَ: فِي سُورَةِ النَّحْلِ) أي في تفسير الآية المذكورة في، "سورة النحل"، وهي قوله -عَزَّ وَجَلَّ- {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ} [النحل: ١٠٦] يجوز في إعراب "من" خمسة أوجه:

[الأول]: أن تكون شرطيّة مبتدأ، حذف جوابها؛ لدلالة جواب "من شرح" عليه، كأنه قيل: من كفر باللَّه من بعد إيمانه، فعليهم غضبٌ من اللَّه.

[الثاني]: أن تكون بدلًا من قوله: {الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} على أن يُجعل قوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} اعتراضًا بين البدل والمبدل منه، والمعنى: إنما يفتري الكذب من كفر باللَّه من بعد إيمانه، واستثنى منهم المكره، فدم يدخل تحت حكم الافتراء، ثم قال: {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ} الآية.

[الثالث]: أن تكون بدلًا من المبتدأ الذي هو: {وَأُولَئِكَ}، أي من كفر باللَّه من بعد إيمانه هو الكاذبون.

[الرابع]: أن تكون بدلًا من الخبر الذي هو {الْكَاذِبُونَ}، أي وأولئك هم من كفر باللَّه من بعد إيمانه.

[الخامس]: انتصابها على الذّمّ، أذُمّ من كفر باللَّه من بعد إيمانه. أفاده النسفيّ في "تفسيره" (١).

{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} إِلى قَوْلِهِ: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وهو قوله: {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وقوله: {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} أي ساكنٌ به. وقوله: {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} أي طاب به نفسًا، واعتقده، قاله النسفيّ (٢). وقال القرطبيّ: أي وسّعه لقبول الكفر، ولا يقدر أحدٌ على ذلك إلا اللَّه، فهو يردّ على القدريّة، و {صَدْرًا} نُصب على المفعول به. وقوله {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وهو عذاب جهنّم. انتهى (٣).

(فَنسخَ) بالبناء للفاعل، أي نسخ اللَّه تعالى حكمه بأن من شرح بالكفر صدرًا له عذاب عظيم في حقّ من تاب من ذلك. وقوله (وَاسْتَثنَى مِنْ ذَلِكَ) أشار به إلى النسخ المذكور ليس على إطلاقه، بل في حقّ من تاب. والمعنى أنه سبحانه وتعالى أخرج من


(١) "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" ٢/ ٣٠٠ - ٣٠١. تفسير "سورة النحل".
(٢) "مدارك التنزيل" ٢/ ٣٠٠ - ٣٠١.
(٣) "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ١٩١.