للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للمرة الواحد، وليست عبارة عن الهيئة حتى تُكسر، قالوا: فيجوز الكسر بالسماع، والفتح بالقياس. ذكره النوويّ (١).

وقوله: "اسْتَنْصَتَ الناسَ" بصيغة الماضي: أي طلب منهم الإنصات، وهو السكوت، ليمكنهم الاستماع لخطبته. ولفظ الشيخين: "اسْتَنْصِتِ الناسَ" بصيغة الأمر، وهي الرواية التالية للمصنّف، وهو أمر لجرير - رضي اللَّه تعالى عنه - أن يأمر الناس بالإنصات.

قال النوويّ في "شرح مسلم": معناه: مُرْهُمْ بالإنصات؛ ليسمعوا هذه الأمور المهمّة، والقواعد التي سأقرّرها لكم، وأُحمّلكموها. انتهى (٢).

وقال العينيّ في "شرح البخاريّ": أمرٌ من الاستنصات، استفعال من الإنصات، ومثله قليلٌ، إذ الغالب أن الاستفعال يُبنَى من الثلاثي، ومعناه طلب السكوت، وهو متعدّ، والإنصات جاء لازمًا، ومتعدّيا. قال: يعني استُعمِل أنصتوه، وأنصتوا له، لا أنه جاء بمعنى الإسكات. انتهى (٣).

وفيه أن الإنصاف للعلماء لازم للمتعلّمين؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء، وقوله - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - هذا لجرير كان في حجة الوداع، وذلك أنه أراد أن يخطب الناس، وكان الجمع كثيرًا جدًّا، وكان اجتماعهم لرمي الجمار، وغير ذلك من أمور الحجّ، وقد قال لهم: "خُذُوا عنّي مناسككم"، كما ثبت في "صحيح مسلم"، فلما خطبهم ليعلّمهم ناسب أن يأمرهم بالإنصات.

وقد وقع التفريق بين الإنصاف والاستماع في قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، ومعناهما مختلفٌ، فالإنصات هو السكوت، وهو يحصل ممن يستمع، وممن لا يستمع، كأن يكون مفكّرًا في أمر آخر، وكذلك الاستماع قد يكون مع السكوت، وقد يكون مع النطق بكلام آخر، لا يشغل الناطق به عن فهم ما يقول الذي يستمع منه.

وقد قال سفيان الثوريّ وغيره: أوّل العلم الاستماع، ثم الإنصاف، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر. وعن الأصمعيّ تقديم الإنصاف على الاستماع. وقد ذكر عليّ بن المدينيّ أنه قال لابن عُيينة: أخبرني معتمر بن سليمان، عن كهمس، عن مُطرّف، قال: الإنصات من العينين. فقال ابن عيينة: وما ندري كيف ذلك؟، قال: إذا حدّثت رجلاً،


(١) "شرح مسلم" ٢/ ٥٦ "كتاب الإيمان".
(٢) "شرح مسلم" ٢/ ٥٦. "كتاب الإيمان".
(٣) "عمدة القاري" ٢/ ١٥٥ "كتاب العلم".