للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَلَيْهِ الكُفر انعزل، قَالَ: وكذا لو ترك إِقامة الصَّلوات، والدُّعاء إِليْها، قَالَ: وكَذلِك عِنْد جُمهُورهم البدعةُ، قَالَ: وَقَالَ بعض البَصْرِيين: تنعقِد لهُ، وتُسْتَدام لهُ؛ لأنَّه مُتأوِّل، قَالَ القَاضِي: فَلوْ طرأ عَلَيْهِ كُفْر، وَتغيِير لِلشَّرع، أو بدْعة، خَرَجَ عَنْ حُكْم الوِلاية، وسقطت طاعته، ووجب عَلَى الْمُسلِمِين القِيام عَلَيهِ، وخَلْعه، ونَصْب إِمَام عَادِل، إنْ أمكنهُم ذَلِكَ، فإِن لم يقع ذَلِكَ إِلا لِطائِفةٍ، وجب عليهِم القِيام بِخلعِ الكافِر، ولا يَجِب فِي المبتدع، إِلا إِذَا ظَنُّوا القُدْرة عَلَيْهِ، فإِن تَحقَّقُوا العجز، لم يَجِب القِيام، ولْيُهَاجِر المُسلِم عن أرْضه إِلى غيرها، وَيَفِرّ بِدِينِهِ، قَالَ: ولا تنعقِد لِفاسِقٍ ابتِداء، فلو طرأ عَلَى الخليفة فِسْق، قَالَ بَعْضهم: يجِب خلعه، إِلا أَنْ تترتَّب عَليهِ فِتنة وَحَرْب، وَقَالَ جماهِير أهْل السُّنَّة، مِن الفُقَهَاء، والمُحَدِّثِين، والمُتكلِّمِين: لا يَنْعزِل بِالْفِسْقِ، والظُّلم، وَتَعْطِيل الحُقُوق، ولا يُخْلع، ولا يَجُوز الخُرُوج عَليْهِ بذلِك، بَلْ يجِب وَعْظه، وَتخوِيفه؛ للأحادِيثِ الوارِدة فِي ذَلِكَ.

قَالَ القاضِي: وَقَدْ ادَّعى أبُو بَكْر بن مُجاهِد، فِي هَذَا الإجماع، وَقَدْ ردَّ عَلَيْهِ بعضهم هَذَا، بِقِيامِ الحسنُ، وابن الزبير، وأَهْل المدِينة عَلَى بنِي أُميّة، وبِقِيام جماعة عظمِيَّة منْ التَّابِعِين، والصَّدْر الأوَّل عَلَى الحَجَّاج، مع ابْن الأشْعَث، وتأول هَذَا القائِل قوله: "أَلَّا نُنَازع الأمْر أهْله" فِي أئِمَّة العدل.

وحُجَّة الجُمهُور أَنَّ قِيامهم عَلَى الْحَجَّاج، ليس بِمُجرَّدِ الفِسْق، بل لمَّا غَيَّر منْ الشَّرع، وظاهر الكُفر؛ لبيعه الأحرار، وتفضيله الخليفة عَلَى النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم، وقوله المشهور المنكر فِي ذلك. قَالَ القَاضِي: وقِيل: إِنَّ هَذَا الخِلاف، كَانَ أوَّلا، ثُمَّ حصل الإجماع عَلَى مَنْع الخُرُوج عَليْهِمْ. والله أعْلَم. انتهى (١).

وَقَالَ فِي "الفتح": ونقل ابن التِّين، عن الدَّاوُدِيِّ، قَالَ: الَّذِي عَلَيْهِ العُلماء فِي أُمَرَاء الْجَوْر، أَنَّهُ إنْ قَدَر عَلَى خلعه بِغيْرِ فِتْنة، ولا ظُلم وَجَبَ، وإِلا فالْواجِب الصَّبر. وعَنْ بعضهم: لا يَجُوز عَقْد الوِلاية لِفاسِقٍ ابتِداء، فإِنْ أحدثَ جورًا بَعْدَ أنْ كَانَ عَدْلا، فاختلفُوا فِي جواز الخُرُوج عَليْهِ، والصَّحِيح المَنْع، إِلَّا أنْ يَكفُر، فيجِب الخُرُوج عَلَيْهِ. انتهى (٢).

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا القول الأخير المصحح عندي هو الحقّ، وحاصله أنه لا يجوز الخروج عَلَى الأئمة بأي نوع منْ أنواع الفسق، والظلم، إلا بصريح الكفر، وأما ما عداه، فإن امكن إزالته بغير خروج عليه، فذاك، وإلا فلا يجوز


(١) "شرح مسلم" ١٢/ ٤٣٢ - ٤٣٣. "كتاب الإمارة". بزيادة منْ "إكمال المعلم" ٦/ ٢٤٧.
(٢) "فتح" ١٤/ ٤٩٨ "كتاب الفتن".