حتى أبايعك، واشترط عليّ، فأنت أعلم، قَالَ: أبايعك عَلَى أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين". ورواه ابن حبّان منْ طريق أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن جدّه، وزاد فيه: "فكان جرير إذا اشترى شيئاً، أو باع يقول لصاحبه: أعلم أن ما أخذنا منك أحب إلينا مما أعطيناكه، فاختر". وروى الطبرانيّ فِي ترجمته: "أن غلامه اشترى له فرسًا بثلاثمائة، فلما رآه جاء إلى صاحبه، فقال: إن فرسك خير منْ ثلاثمائة، فلم يزل يزيده حتى أعطاه ثمانمائة".
قَالَ القرطبيّ: كانت مبايعة رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم لأصحابه مرّات متعددة فِي أوقات مختلفة بحسب ما كَانَ يحتاج إليه، منْ تجديد عهد، أو توكيد أمر، فلذلك اختلفت ألفاظها، كما دلّت عليه الأحاديث الآتية. انتهى (١).
وَقَالَ القاضي عياض: اقتصر عَلَى الصلاة والزكاة؛ لشهرتهما, ولم يذكر الصوم وغيره لدخول ذلك فِي السمع والطاعة.
وقوله: "فيما استطعت" قَالَ القرطبيّ: رويناه بفتح التاء عَلَى مخاطبته إياه، وعلى هَذَا فيكون قوله: "فيما استطعت" منْ قول النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم، مخاطبًا له به، فلا يحتاج إلى التلفّظ بهذا القول. ورويناه بضمّ التاء للمتكلّم، وعلى هَذَا فيكون النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم أمره أن ينطق بهذا اللفظ، فكأنه قَالَ له: قل: فيما استطعت، وعليه فيحتاج جرير إلى النطق بذلك امتثالاً للأمر، وعلى الوجهين، فمقصود هَذَا القول التنبيه عَلَى أن اللازم منْ الأمور المبايع عليها هو ما يُطاق، ويُستطاع، كما هو المشترط فِي أصل التكليف، كما قَالَ الله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، ويُشعر الأمر بقول ذلك اللفظ فِي حال المبايعة بالعفو عن الهفوة، والسقطة، وما وقع عن خطأ، أو تفريط. انتهى كلام القرطبيّ.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: يؤيّد رواية ضمّ التاء ما تقدّم منْ رواية أبي وائل، والشعبيّ، عن جرير بلفظ: "قل: فيما استطعتُ". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث جرير رضي الله تعالى عنه هَذَا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه: