للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لطائف هَذَا الإسناد:

(منها): أنه منْ سباعيات المصنّف رحمه الله تعالى. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح. (ومنها): أن فيه رواية تابعيّ عن تابعيّ. والله تعالى أعلم.

شرح الحديث

(عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ) رضي الله تعالى عنهما، أنه (قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَوْمَ الْفَتْحِ) أي فتح مكة (لَا هِجرة) قَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: أي لا وجوب هجرة بعد فتح مكّة، وإنما سقط فرضها إذ ذاك؛ لقوّة المسلمين، وظهورهم عَلَى عدوّهم، ولعدم فتنة أهل مكة لمن كَانَ بها منْ المسلمين، بخلاف ما كَانَ قبل الفتح، فإن الهجرة كانت واجبةً؛ لأمور: سلامة دين المهاجرين منْ الفتنة، ونُصرة النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم، وتعلّم الدين، وإظهاره. قَالَ: ولم يُختلف فِي وجوبها عَلَى منْ كَانَ بغيرها، فقيل: كانت واجبةً عَلَى كل منْ أسلم؛ تمسّكًا بمطلق الأمر بالهجرة، وذمّ منْ لم يهاجر، وببيعة النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم عَلَى الهجرة، كما جاء فِي حديث مجاشع (١) وقيل: بل كانت مندوبًا إليها فِي حقّ غير أهل مكة. حكاه أبو عبيد. ويُستدلّ لهذا القول بقول النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم للأعرابيّ الذي استشاره فِي الهجرة: "إن شأنها لشديد"، ولم يأمره بها، بل أذن له فِي ملازمة مكانه، وبدليل أنه لم يأمر الوفود عليه قبل الفتح بالهجرة. وقيل: إنما كانت واجبة عَلَى منْ لم يُسلم جميع أهل بلده؛ لئلا يبقى تحت أحكام الشرك، ويخاف الفتنة عَلَى دينه.

قَالَ: ولا يُختلف فِي أنه لا يحلّ لمسلم المقام فِي بلاد الكفر مع التمكّن منْ الخروج منها؛ لجريان أحكام الكفر عليه، ولخوف الفتنة عَلَى نفسه، وهذا حكم ثابتٌ مؤبّدٌ إلى يوم القيامة، وعلى هَذَا، فلا يجوز لمسلم دخول بلاد الكفر لتجارة، أو غيرها، مما لا يكون ضروريًا فِي الدين كالرسل، وكافتكاك المسلم، وَقَدْ أبطل مالك رحمه الله تعالى شهادة منْ دخل بلاد الهند للتجارة. انتهى كلام القرطبيّ (٢).

وَقَالَ فِي "الفتح": "لا هجرة بعد الفتح": أي بعد فتح مكة، أو المراد ما هو أعمّ منْ ذلك، إشارة إلى أن حكم غير مكة فِي ذلك حكمها، فلا تجب الهجرة منْ بلد قد فتحه


(١) هو ما أخرجه الشيخان منْ طريق أبي عثمان النهدي، عن مجاشع بن مسعود، قَالَ: جاء مجاشع باخيه مجالد بن مسعود، إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: هَذَا مجالد يبايعك عَلَى الهجرة، فقال: "لا هجرة بعد فتح مكة، ولكن أبايعه عَلَى الإِسلام"، لفظ البخاريّ، ولفظ مسلم: "إن الهجرة قد مضت لأهلها, ولكن عَلَى الإِسلام، والجهاد، والخير".
(٢) "المفهم" ٤/ ٦٩ - ٧٠. "كتاب الإمارة".