كانت واجِبة عَلَى منْ لم يُسلِم كُلّ أهل بلده؛ لِئلا يَبْقى فِي طوع أحكام الكُفَّار. انتهى (١).
(ومنها): ما كَانَ عليه سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه منْ الصبر، والتحمّل عَلَى ما لقيه منْ الحجّاج منْ الجراءة، والازدراء به. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): زاد فِي رواية البخاريّ بالسند المذكور: قوله: "وعن يزيد بن أبي عبيد، قَالَ: لما قُتل عثمان بن عفان خرج سلمة بن الأكوع، إلى الرَّبذة، وتزوج هناك امرأة، وولدت له أولادا، فلم يزل بها، حتى قبل أن يموت بليال، فنزل المدينة".
قَالَ الحافظ رحمه الله تعالى: ويُسْتفاد منْ هذِهِ الرِّواية، مُدّة سُكْنَى سَلَمة البَادِية، وهِي نحو الأربعِين سنة؛ لِأنَّ قتل عُثمان كَانَ فِي ذِي الحِجَّة، سنة خمس وثلاثِين، وموت سلمة سنة أربع وسبعِين، عَلَى الصَّحِيح.
قَالَ: وهذا يُشْعِر بِأنَّ سلمة لم يمُت بِالبادِيةِ، كما جزم بِهِ يحيى بن عبد الوَهَّاب بن مَنْدَهْ، فِي الجُزْء الَّذِي جمعهُ، فِي آخِر منْ مات منْ الصَّحابة، بل مات بِالْمدِينةِ، كَمَا تقتضِيه رِواية يزِيد بن أبِي عُبيد هَذِهِ، وبِذلِك جزم أبُو عبد الله بن مَنْدَهْ، فِي "معرِفة الصَّحابة".
وفِي الحديث أيضًا، ردّ عَلَى منْ أرَّخَ وفاة سلمة، سنة أربع وسِتِّين، فإِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي آخِر خِلافة يزِيد بن مُعاوِية، ولم يكُنْ الحجَّاج يؤمئِذٍ أميرًا، ولا ذا أَمْر، ولا نَهي، وكذا فِيهِ رَدّ عَلَى الْهَيثم بن عَدِيّ، حيثُ زَعَم أَنَّهُ مات فِي آخِر خِلافة مُعاوِية، وهُو أشَدّ غلطًا منْ الأول، إِن أراد مُعاوية بن أبِي سُفيان، وإن أراد مُعاوِية بن يزِيد بن مُعاوِية، فهُو عين القول الَّذِي قَبْلهُ. وَقَدْ مَشَى الكرمانِيُّ عَلَى ظاهِره، فقال: مَاتَ سَنَة سِتِّين، وهِي السَّنة الَّتِي مات فِيها مُعاوِية بن أبِي سُفيان. كذا جزم بِهِ، والصَّواب خِلافه. وَقَدْ اعترض الذَّهبِيّ عَلَى منْ زعم أَنَّهُ عاش ثمانِين سنة، ومات سنة أربع وسبعِين؛ لِأنَّهُ يلزم مِنْهُ أن يكُون لهُ فِي الحُدَيبِية اثنتا عشرة سنةً، وهُو باطِل؛ لِأنَّهُ ثبت أَنَّهُ قاتل يؤمئِذٍ، وبايع.
قَالَ الحافظ: وهُوَ اعْتِراض مُتَّجِه، لكِنْ ينبغِي أن يَنْصرِف إِلى سَنَة وفاته، لا إِلَى