وَقَالَ السنديّ رحمه الله تعالى: قيل: المراد أنه يقاتل قُدّامه، فـ"وراءه" هاهنا بمعنى "أمام"، ولا يُترك يباشر القتال بنفسه؛ لما فيه منْ تعرّضه للهلاك، وفيه هلاك الكلّ. قَالَ: وهذا لا يناسب التشبيه بالجُنّة، مع كونه خلاف ظاهر اللفظ فِي نفسه، فالوجه أن المراد أنه يُقاتل عَلَى وفق رأيه، وأمره، ولا يُختلَف عليه فِي القتال. والله تعالى أعلم.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي قاله السنديّ فِي معنى "منْ ورائه" حسنٌ جدًا. والله تعالى أعلم.
(وَيُتَّقَى بِهِ) أي يُعتصم برأيه، أو يَلتجىء إليه منْ يَحتاج إلى ذلك. وَقَالَ النوويّ: التاء مبدلة منْ الواو؛ لأن أصلها منْ الوقاية. انتهى (فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا) أي أجرًا عظيمًا، فالتنوين للتعظيم، وَقَالَ القرطبيّ: سكت عن الصفة للعلم بها، وَقَدْ دلّ عَلَى ذلك قوله صلّى الله تعالى عليه وسلم:"إن المقسطين عَلَى منابر منْ نور" الحديث، رواه مسلم، وقوله صلّى الله تعالى عليه وسلم فِي السبعة الذين يُظلّهم الله فِي ظلّه:"وإمام عادلٌ". متفقٌ عليه (وَإِنْ أَمَرَ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّ عَلَيْهِ وِزْرًا) أي أمر بجور، كَانَ عليه الحظّ الأكبر منْ إثم الجور. وفي رواية مسلم:"كَانَ عليه منه" بـ"منْ"، قَالَ القرطبيّ: و"منْ" هنا للتبعيض، أي لا يختصّ هو بالإثم، بل المنفّذ لذلك الجور يكون عليه أيضًا حظّه منْ الإثم، والراضي به، فالكلّ يشتركون فِي إثم الجور، غير أن الإِمام أعظمهم حظًا منه؛ لأنه ممضيه، وحاملٌ عليه. انتهى (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه هَذَا متَّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٣٠/ ٤١٩٩ - وفي "الكبرى" ٣٤/ ٧٨١٩. وأخرجه (خ) فِي "الجهاد" ٢٩٥٧ و"الأحكام" ٧١٣٧ (م) فِي "الإمارة" ٣٤٢٨ (د) فِي "الجهاد" ٢٧٥٧ (أحمد) فِي "باقي مسند المكثرين" ١٠٣٩٨. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان ما يجب للإمام، وما يجب