للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عليهم، فأراد عقوبتهم بذلك. وهذه نصوصٌ فِي أنه إنما حمله عَلَى ذلك غضبه عليهم. انتهى كلام القرطبيّ (١).

واستظهر الحافظ رحمه الله تعالى فِي "الفتح" تعدد القصة، وَقَالَ: ما حاصله: أن التعدّد هو الذي يظهر لي؛ لاختلاف سياقهما، واسم أميرهما، والسبب فِي أمره بدخولهم النار. قَالَ: ويحتمل الجمع بينهما بضرب منْ التأويل، ويُبعده وصف عبد الله ابن حُذافة السهميّ القرشيّ المهاجريّ بكونه أنصاريًّا. قَالَ: ويَحتمل الحمل عَلَى المعنى الأعمّ، أي أنه نصر رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم فِي الجملة. وإلى التعدّد جنح ابن القيم. وأما ابن الجوزيّ، فقال: قوله: "منْ الأنصار" وَهَمٌ منْ بعض الرواة، وإنما هو سهميّ. قَالَ الحافظ: ويؤيّده حديث ابن عباس عند أحمد فِي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} الآية [النِّساء: ٥٩]، نزلت فِي عبد الله بن حُذافة بن قيس بن عديّ، بعثه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فِي سريّة. انتهى (٢).

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد اتَّضح بما ذُكر كلّه أن الأرجح تعدد الواقعة، وأن الرجل المبهم فِي حديث عليّ رضي الله تعالى عنه المذكور فِي الباب ليس هو عبد الله ابن حُذافة، وإنما هو رجلٌ آخر منْ الأنصار رضي الله تعالى عنهم. والله تعالى أعلم.

(فَأَوْقَدَ نَارًا، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا) وفي رواية البخاريّ: "بعث النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم سرية، فاستعمل رجلاً منْ الأنصار، وأمرهم أن يُطيعوه، فغضب عليهم، فقال: أليس أمركم النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم أن تُطيعوني؟ قالوا: بلى، قَالَ: فاجمعوا لي حطبًا، فجمعوا له، فقال: أو قدوا لي نارًا، فأوقدوها، فقال: "ادخلوها" الحديث.

وفي رواية مسلم: "فأغضبوه فِي شيء وفي رواية للبخاري: "فقال: "عزمت عليكم لَمّا جمعتم حطبًا، وأوقدتم نارًا، ثم دخلتم".

وهذا يخالف حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه (٣)، فإن فيه: "فأوقد القوم نارًا؛ ليصنعوا شيئاً صنيعًا لهم، أو يصطلون، فقال لهم: ألست عليكم السمع


(١) "المفهم" ٤/ ٣٩ - ٤٠.
(٢) "فتح" ٨/ ٣٨٣. "كتاب المغازي" رقم الحديث: ٤٣٤٠.
(٣) حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه هو ما أخرجه أحمد، وغيره، وصححه ابن خُزيمة، وابن حبّان، والحاكم منْ طريق عمر بن الحكم بن ثوبان، أن أبا سعيد الخدريّ، قَالَ: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علقمة بن مُجَزّز -بجيم وزايين-، عَلَى بعث أنا فيهم، حتى انتهينا إلى رأس غزاتنا، أو كنا ببعض الطريق، أذِنَ لطائفة منْ الجيش، وأمّر عليهم عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي، وكان منْ أصحاب بدر، وكانت فيه دعابة -يعني مزاحا- وكنت ممن رجع معه، فنزلنا ببعض =