للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي اشتراط إرسال الكلب:

قَالَ العلامة ابن قُدامة رحمه الله تعالى: ما حاصله: يُشتَرط أن يُرسل الجارحة عَلَى الصيد، فإن استرسلت بنفسها، فقتلت لم يُبَح، وبهذا قَالَ ربيعة، ومالكٌ، والشافعيّ، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وَقَالَ عطاءٌ، والأوزاعيّ: يؤكل صيده إذا أخرجه للصيد. وَقَالَ إسحاق: إذا سمّى عند إنفلاته أُبيح صيده. وروَى بإسناده عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه سُئل عن الكلاب، تَنَفَلِتُ منْ مرابضها، فتصيد الصيد؟ قَالَ: اذكر اسم الله، وكل. قَالَ إسحاق: فهذا الذي أختار إن لم يتعمّد هو إرساله منْ غير ذكر اسم الله عليه. قَالَ الخلّال: هَذَا عَلَى معنى قول أبي عبد الله.

وأحتجّ الأولون بقول النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم: "إذا أرسلت كلبك، وسمّيتَ، فكل"، ولأن إرسال الجارحة جُعل بمنزلة الذبح، ولهذا اعتُبرت التسمية معه. وإن استرسل بنفسه، فسمّى صاحبه، وزجره، فزاد فِي عدوه أُبيح صيده؛ وهذا قول أحمد، وأبي حنيفة؛ لأن زجره أثّر فِي عدوه، فصار كما لو أرسله، وذلك لأن فعل الإنسان متى انضاف إلى فعل غيره، فالاعتبار بفعل الإنسان، بدليل ما لو صال الكلب عَلَى إنسان، فأغراه إنسان، فالضمان عَلَى منْ أغراه. وَقَالَ الشافعيّ: لا يُباح، وعن مالك كالمذهبين. وإن أرسله بغير تسمية، ثم سمّى وزجره، فزاد عدوه، فظاهر كلام أحمد أنه يُباح؛ لأنه انزجر بتسميته وزجره، فأشبه التي قبلها. وَقَالَ القاضي: لا يُباح صيده؛ لأن الحكم يُعلّق بالإرسال الأول، بخلاف ما إذا استرسل بنفسه، فإنه لا يتعلّق به حظر، ولا إباحة. انتهى كلام ابن قُدامة بتصرّف (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

(المسألة الخامسة): فِي أقوال أهل العلم فِي اشتراط كون الكلب وغيره معلمًا:

قَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: تعليم الكلب وغيره مما يُصاد به هو تأديبه عَلَى الصيد، بحيث يأتمر إذا أُمر، وينزجر إذا زُجر، ولا يُختلف فِي هذين الشرطين فِي الكلاب، وما فِي معناها منْ سباع الوحوش، واختُلف فيما يُصاد به منْ الطير، فالمشهور أن ذلك مشترط فيها. وذكر ابن حبيب أنه لا يُشترط أن تنزجر إذا زُجرت، فإنه لا يتأتّى ذلك فيها غالبًا، فيكفي أنه إذا أمرت أطاعت. قَالَ: والوجود يشهد للجمهور، بل الذي لا ينزجر نادرٌ فيها، وَقَدْ شرَط الشافعيّ، وجمهور منْ العلماء فِي


(١) "المغني" ١٣/ ٢٦١ - ٢٦٢.