قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: فِي الأول عطاء بن السائب، وهو مختلط، وجرير ممن روى عنه بعد اختلاطه، وفي الثاني ابن لَهيعة، وهو ضعيف للاختلاط. والله تعالى أعلم.
قَالَ: وَقَدْ استُدل لهذا المذهب بما رواه أبو داود فِي "المراسيل" منْ حديث ثور بن زيد، عن الصلت السدوسي، مولى سُويد بن منجوف، أحد التابعين، الذين ذكرهم أبو حاتم بن حبّان، فِي كتاب "الثقات"، قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ذبيحة المسلم حلال، ذكر اسم الله، أو لم يَذكُر، إنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله"، وهذا مرسل، يُعضَد بما رواه الدارقطني، عن ابن عباس، أنه قَالَ:"إذا ذبح المسلم، ولم يذكر اسم الله فليأكل، فإن المسلم فيه اسم منْ أسماء الله".
واحتج البيهقي أيضًا بحديث عائشة، رضي الله عنها المتقدم: أن ناسا قالوا: يا رسول الله، إن قوما حديثي عهد بجاهلية، يأتوننا بلحم، لا ندري أذُكر اسم الله عليه، أم لا؛ فَقَالَ:"سموا أنتم، وكلوا"، رواه البخاريّ، قالوا: فلو كَانَ وجود التسمة شرطا، لم يُرخِّص لهم إلا مع تحققها، والله أعلم.
(المذهب الثالث فِي المسألة): إن تَرَكَ البسملةَ، عَلَى الذبيحة نسيانا لم يضر، وإن تركها عمدا لم تحل، هَذَا هو المشهور منْ مذهب الإمام مالك، وأحمد بن حنبل، وبه يقول أبو حنيفة، وأصحابه، وإسحاق بن راهويه، وهو محكي عن علي، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وطاوس، والحسن البصريّ، وأبي مالك، وعبد الرحمن ابن أبي ليلى، وجعفر بن محمد، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ونقل الإمام أبو الحسن المرغياني، فِي كتابه "الهداية" الإجماع قبل الشافعيّ، عَلَى تحريم متروك التسمية عمدا، فلهذا قَالَ أبو يوسف، والمشايخ: لو حكم حاكم بجواز بيعه، لم ينفذ؛ لمخالفة الإجماع. وهذا الذي قاله غريب جدًّا، وَقَدْ تقدم نقل الخلاف، عمن قبل الشافعيّ، والله أعلم.
وَقَالَ الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله: منْ حرّم ذبيحة الناسي، فقد خرج منْ قول جميع الحجة، وخالف الخبر الثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فِي ذلك، يعني ما رواه الحافظ أبو بكر البيهقي، أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو عباس الأصم، حدثنا أبو أمية الطرسوسي، حدثنا محمد بن يزيد، حدثنا مَعقِل بن عبيد الله، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ:"المسلم يكفيه اسمه، إن نسي أن يسمي حين يذبح، فليذكر اسم الله، وليأكله"، وهذا الحديث رفعه خطأ، أخطأ فيه مَعْقِل بن عبيد الله الجزري، فإنه وإن كَانَ منْ رجال مسلم، إلا أن سعيد بن منصور،