للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عديّ، أنه قَالَ للنبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم: يرمي الصيد، فيفتقر أثره اليومين، والثلاثة". ومعنى "يفتقر" أي يتبع فقاره، حَتَّى يتمكن منه. ووَقَعَ فِي حَدِيث أبِي ثَعْلَبَة الخُشنيّ الآتي فِي الباب التالي، فِي الَّذِي يُدْرِك الصَّيد بَعْد ثَلَاث: "كُلْهُ مَا لَمْ يُنتِن"، وَنَحوه عِنْد أَبِي دَاوُدَ، منْ طَرِيق عَمْرو بْن شُعَيْب، عَن أَبِيهِ، عَن جَدّه، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيه عَلَيْهِ.

وقوله: "إِذَا وَجَدْتَ السَّهْمَ فِيهِ، وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ سَبُع، وَعَلِمتَ أنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ فَكُلْ". وفي رواية البخاريّ: "وَإِنْ رَمَيْت الصَّيْد، فَوَجَدْته بَعْد يَومْ، أَوْ يَوْمَينِ، لَيْسَ بهِ إِلَّا أَثَر سَهْمك فَكُلْ".

قَالَ فِي "الفتح": وَمَفْهُومه أَنَّهُ إنْ وَجَدَ فِيهِ أَثَرَ غَيرِ سَهْمه، لا يَأْكُل، وَهُوَ نَظِير مَا تَقَدَّمَ فِي الكَلْب منْ التَّفْصِيل، فِيمَا إِذَا خَالَطَ الكَلْبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ الصَّائِدُ كَلْبٌ آخَرُ، لَكِنْ التَّفْصِيل فِي مَسْأَلَة الكَلْب، فِيمَا إِذَا شَارَكَ الكَلْب فِي قَتله كَلْبٌ آخَرُ، وَهُنَا الأثَر الَّذِي يُوجَد فِيهِ منْ غَير سَهْم الرَّامِي، أَعَمّ منْ أن يَكُون أَثَر سَهْم رَامٍ آخَر، أَو غَيْر ذَلِكَ منْ الأَسْبَاب القَاتِلَة، فَلَا يَحِلّ أَكْله مَعَ التَّرَدُّد.

وقَالَ الرَّافِعِيّ: يُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ جَرَحَهُ، ثُمَّ غَابَ، ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا، أنَّهُ لا يَحِلّ، وَهُوَ ظَاهِر نَصّ الشَّافِعِيّ، فِي "المُخْتَصَر". وقَال النَّوَوِيّ: الحِلّ أصَحّ دَلِيلاً. وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَة" عَن الشَّافِعِيّ، أنَّهُ قَالَ فِي قَول ابن عَبَّاس: "كُلْ مَا أَصْمَيتَ، وَدَعْ مَا أَنْمَيْت". ومَعْنَى "مَا أَصْمَيْتَ": مَا قَتَلَهُ الْكَلْب، وَأَنْتَ تَرَاهُ، وَمَا "أَنْمَيْت": وَمَا غَابَ عَنك مَقْتَله. قَالَ: وَهَذَا لا يَجُوز عِنْدِي غَيْره، إِلَّا أَنْ يَكُون جَاءَ عَن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، فِيهِ شَيْء، فَيَسْقُط كُلُّ شَيْء، خَالَفَ أَمْر النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، وَلا يَقُوم مَعَهُ رَأي، وَلا قِيَاس. قَالَ البَيْهَقِيُّ: وَقَدْ ثَبَتَ الْخَبَر -يَعْنِي حَدِيث الْبَاب- فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُون هُوَ قَوْلَ الشَّافِعِيّ. انتهى (١).

والحديث متّفقٌ عليه، وَقَدْ سبق شرحه، وبيان مسائله فِي ١/ ٤٢٦٥ - وأتكلّم هنا فيما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، فأقول:

(مسألة): فِي اختلاف أهل العلم فِي حكم الصيد إذا غاب بعد رميه:

قَالَ الإِمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ما حاصله: إذا رماه، فغاب عن عينه، فوجده ميتًا، وسهمه فيه، ولا أثر به غيره، أو أرسل كلبه عَلَى صيد، فغاب عن عينه، ثم وجده ميتًا، ومعه كلبه، حلّ أكله. هَذَا هو المشهور عند أحمد، وهو قول الحسن،


(١) "فتح" ١١/ ٣٤.