وَقَالَ أبو حنيفة، والثوري، ومالك: هو حرام، وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب؛ لأنها منْ السباع، وَقَدْ نهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، عن أكل كلّ ذي ناب منْ السباع، وهي منْ السباع، فتدخل فِي عموم النهي، وروي عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه سئل عن الضبع؟ فَقَالَ:"ومن يأكل الضبع".
واحتجّ الأولون بحديث جابر رضي الله تعالى عنه المذكور فِي الباب. واعترضه ابن عبد البر فَقَالَ: إن هَذَا لا يعارض حديث النهي عن كل ذي ناب منْ السباع؛ لأنه أقوى منه. وتعُقّب -كما قَالَ ابن قُدَامة- بأن هَذَا تخصيص، لا معارض، ولا يعتبر فِي التخصيص كون المخصص فِي رتبة المخصَّص، بدليل تخصيص عموم الكتاب، بأخبار الآحاد.
فأما الخبر الذي ذكروه:"ومن يأكل الضبع"، فحديث، يرويه عبد الكريم بن أبي المخارق، ينفرد به، وهو متروك الْحَدِيث.
قَالَ ابن قُدامة: ولأن الضبع قد قيل: إنها ليس لها ناب، وسمعت منْ يذكر أن جميع أسنانها عظم واحد، كصَفِيحَةِ نعل الفرس، فعلى هَذَا لا تدخل فِي عموم النهي. أفاده فِي "المغني" ١٣/ ٣٤١ - ٣٤٢.
وَقَالَ العلّامة الشوكانيّ رحمه الله تعالى فِي "نيل الأوطار" -٨/ ٢٩١ فِي شرح حديث جابر المذكور: ما نصه: فِي الْحَدِيث دليل عَلَى جواز أكل الضبع، وإليه ذهب الشافعيّ، وأحمد، قَالَ الشافعيّ: ما زال النَّاس يأكلونها، ويبيعونها بين الصفا والمروة، منْ غير نكير، ولأن العرب تستطيبه، وتمدحه.
وذهب الجمهور إلى التحريم، واستدلوا بما تقدم، فِي تحريم كل ذي ناب منْ السباع.
ويجاب بأن حديث الباب خاص، فيُقدّم عَلَى حديث كل ذي ناب. واستدلوا أيضاً بما أخرجه الترمذي، منْ حديث خزيمة بن جزء، قَالَ: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الضبع؟ فَقَالَ:"أو يأكل الضبع أحد؟ "، وفي رواية:"ومن يأكل الضبع؟ ". ويجاب بأن هَذَا الْحَدِيث ضعيف؛ لأن فِي إسناده عبد الكريم أبو أمية، وهو متَّفقٌ عَلَى ضعفه، والراوي عنه إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف. قَالَ ابن رسلان: وَقَدْ قيل: إن الضبع ليس لها ناب، وسمعت منْ يذكر أن جميع أسنانها عظم واحد، كصفيحة نعل الفرس، فعلى هَذَا لا تدخل فِي عموم النهي. انتهى ما ذكره الشوكانيّ.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: وبهذا تعلم أن مذهب القائلين بإباحة أكل الضبع أقوى دليلاً. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.