معارضة بين الحديثين؛ لأن المراد بالمسنّة المنهيّ عنها فِي حديث مسلم هي المسنة منْ المعز، فإنها التي لا تُجزىء، كما سيأتي فِي حديث البراء رضي الله تعالى عنه.
وأما قوله بعد ذكر هَذَا التأويل: فإنه خلاف الظاهر منْ السياق، ثم ادّعى بطلانه بما نقله منْ رواية أبي يعلى منْ طريق محمد بن عثمان القرشيّ، عن سليمان، بلفظ: "إذا عزّ عليك المسان منْ الضأن، أجزأ الجذع منْ الضأن"، فغير صحيح أيضًا.
أما أوّلًا فما هو السياق الذي يخالف هَذَا الجمع؟، وأما ثانيًا فإن محمد بن عثمان رجل مجهول، كما قَالَ الدارقطنيّ، ولم يُعرف منْ هو سليمان؟ فكيف يُدَّعَى تضعيف حديث ما أخرجه مسلم فِي "صحيحه" بمثل هَذَا الْحَدِيث الضعيف الذي رواه مثل هَذَا المجهول، إن هَذَا العجب العجاب.
والحاصل أن الْحَدِيث صحيح، كما صححه الإِمام مسلم، وأنه لا معارضة بينه وبين حديث: "إن الجذع يوفي … " الْحَدِيث؛ لما عرفت منْ تأويله، فتبصّر بالإنصاف، ولا تتهوّر بالاعتساف. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -١٣/ ٤٣٨٠ - وفي "الكبرى" ١٣/ ٤٤٦٨. وأخرجه (م) فِي "الأضاحي" ٢٦٣١ (د) فِي "الضحايا" ٢٤١٥ (ق) فِي "الأضاحي" ٣١٣٢ (أحمد) فِي "باقي مسند المكثرين" ١٣٨٢٨. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان أن المسنّة هي المجزئة فِي الأضاحي. (ومنها): مشروعيةُ الأضحيّة. (ومنها): أنه لا يجوز فِي الأضحية الجذع منْ المعز، ولا منْ البقر، ولا منْ الإبل، وهو قول أهل العلم، وإنما اختلفوا فِي إجزاء الجذعة منْ الضأن، وسيأتي تحقيقه فِي المسألة التالية، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي الأضحيّة بالجذع منْ الضأن:
قَالَ العلّامة ابن قُدامة رحمه الله تعالى: فِي "المغني" ج ١٣/ ٣٦٧ - ٣٦٨:
ولا يجزىء إلا الجذع منْ الضأن، والثنيّ منْ غيره، وبهذا قَالَ مالك، والليث، والشافعي، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وَقَالَ ابن عمر، والزهري: لا يجزىء الجذع؛ لأنه لا يجزىء منْ غير الضأن، فلا يجزىء منه، كالْحَمَل، وعن عطاء، والأوزاعي: يجزىء الجذع، منْ جميع الأجناس؛ لما روى مُجاشع بن سليم، قَالَ: سمعت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الجذَع يُوَفِّي مما يوفى منه الثني"، رواه داود، والنسائي.