للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَقَالَ فِي "الفتح" (١) ١١/ ١٤٦ - ١٤٧ - : قَالَ القرطبيّ: اختُلف فِي أول الثلاث، التي كَانَ الادخار فيها جائزا، فقيل: أولها يومُ النحر، فمن ضَحَّى فيه جاز له أن يمسك يومين بعده، ومن ضحى بعده أمسك ما بقي له منْ الثلاثة. وقيل: أولها يومُ يُضَحِّي، فلو ضَحَّى فِي آخر أيام النحر، جاز له أن يمسك ثلاثاً بعدها. ويحتمل أن يؤخذ منْ قوله: "فوق ثلاث" أن لا يُحْسَبَ اليوم الذي يقع فيه النحر منْ الثلاث، وتعتبر الليلة التي تليه، وما بعدها. قَالَ الحافظ: ويؤيده ما فِي حديث جابر: "كنا لا نأكل منْ لحوم بدننا، فوق ثلاث مني"، فإن ثلاث مني، تتناول يوما بعد يوم النحر، لأهل النفر الثاني.

قَالَ الشافعيّ: لعل عليا لم يبلغه النسخ، وَقَالَ غيره: يحتمل أن يكون الوقت الذي قَالَ علي فيه ذلك، كَانَ بالناس حاجة، كما وقع فِي عهد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وبذلك جزم ابن حزم، فَقَالَ: إنما خطب عليّ بالمدينة فِي الوقت الذي كَانَ عثمان حُوصر فيه، وكان أهل البوادي، قد ألجأتهم الفتنة إلى المدينة، فأصابهم الجهد، فلذلك قَالَ عليّ ما قَالَ.

قَالَ الحافظ: أما كون علي خطب به، وعثمان محصورٌ، فأخرجه الطحاوي منْ طريق الليث، عن عقيل، عن الزهريّ، فِي هَذَا الْحَدِيث، ولفظه: "صلّيت مع علي العيد، وعثمان محصور"، وأما الحمل المذكور، فلما أخرج أحمد، والطحاوي أيضًا، منْ طريق مخارق بن سليم، عن عليّ -رضي الله عنه-، رفعه: "إني كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فادخروا ما بدا لكم"، ثم جمع الطحاوي بنحو ما تقدم، وكذلك يجاب عما أخرج أحمد، منْ طريق أمّ سليمان، قالت: دخلت عَلَى عائشة، فسألتها عن لحوم الأضاحي؟ فقالت: كَانَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، نهى عنها، ثم رخّص فيها، فَقَدِم عليٌّ منْ السفر، فأتته فاطمة بلحم منْ ضحاياها، فَقَالَ: "أو لم نُنْه عنه؟ "، قالت: إنه قد رُخّص فيها، فهذا عليّ، قد اطلع عَلَى الرخصة، ومع ذلك خطب بالمنع، فطريق الجمع ما ذكرته. وَقَدْ جزم به الشافعيّ فِي "الرسالة"، فِي آخر "باب العلل فِي الْحَدِيث"، فَقَالَ: ما نصه: فإذا دَفَّت الدافّة ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا، بعد ثلاث، وإن لم تَدُفّ دافّة، فالرخصة ثابتة بالأكل، والتزود، والادخار، والصدقة، قَالَ الشافعيّ: ويحتمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الأضاحي، بعد ثلاث منسوخا، فِي كل حال. قَالَ الحافظ: وبهذا الثاني أخذ المتأخرون منْ الشافعية، فَقَالَ الرافعي: الظاهر أنه لا يحرم اليوم بحال، وتبعه النوويّ، فَقَالَ فِي "شرح المهذب": الصواب المعروف، أنه لا يحرم الادخار اليوم بحال. وحكى فِي "شرح مسلم" عن جمهور العلماء، أنه منْ نسخ السنة بالسنة، قَالَ: والصحيح نسخ النهي مطلقا، وأنه لم يبق تحريم، ولا كراهة، فيباح


(١) عبارة "الفتح" المذكورة هنا قد تقدمت فيما نقلته منْ الحافظ ولي الدين وغيره، وإنما أعدتها لما رأيت فيها منْ الفوائد الزائدة، فلا تظن أيها الأخ المحب للتحقيق العلمي أن هَذَا مجرد تكرار، وَقَدْ حذرتك عن هَذَا فِي مقدمة هَذَا الشرح، فلتعذرني، فالعذر عند كرام النَّاس مقبول. والله تعالى ولي التوفيق.