وقوله (وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ) بنصب "كثرة" بالعطف عَلَى "إيّا"، والمعنى: أحذّركم عن إكثار الحلف فِي البيع، وإنما حذّرهم منه؛ لأن الغالب ممن كثرت أيمانه وقوعه فِي الكذب، والفجور، وإن سلِم منْ ذلك -عَلَى بعده- لم يسلم منْ الحنث، أو الندم؛ لأن اليمين حنث، أو مندمة، وإن سلم منْ ذلك لم يسلم منْ مدح السلعة المحلوف عليها، والإفراط فِي تزيينها؛ ليُروّجها عَلَى المشتري، مع ما فِي ذلك منْ ذكر الله تعالى، لا عَلَى جهة التعظيم، بل عَلَى جهة مدح السلعة، فاليمين عَلَى ذلك تعظيم للسِّلَع، لا تعظيم لله تعالى، وهذه كلّها أنواع منْ المفاسد، لا يُقدِم عليها إلا منْ عقله، ودينه فاسد. قاله فِي "المفهم" ٤/ ٥٢٣.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه:[فإن قلت]: ما وجه إيراد المصنّف هَذَا الْحَدِيث فِي هَذَا الباب؛ لأن ظاهره يدلّ عَلَى ذم كثرة الحلف، وإن كَانَ صادقًا، والمصنّف رحمه الله تعالى قيّد الترجمة بالكذب، حيث قَالَ:"المنفّق سلعته بالحلف الكاذب"؟.
[قلت]: وجه إيراده هنا الإشارة إلى أن النهي عن كثرة الحلف إنما هو لكونه مفضيًا إلى أن يحلف كاذبًا فِي بعض الأمور. والله تعالى أعلم.
(فَإِنَّهُ) أي المذكور منْ كثرة الحلف (يُنَفِّقُ) بضم أوله، وتشديد الفاء، منْ التنفيق، ويجوز كونه منْ الإنفاق: أي يروّج السلعة (ثُمَّ يَمْحَقُ) بفتح أوله، وثالثه، منْ باب نفع، كما سبق قريبًا، أي يزيل البركة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أبي قتادة الأنصاريّ رضي الله تعالى عنه هَذَا أخرجه مسلم.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٥/ ٤٤٦٢ - وفي "الكبرى" ٥/ ٦٠٥٣. (م) فِي "البيوع" ٢٠١٥ (ق) فِي "التجارات" ٢٢٠٠ (أحمد) فِي "باقي مسند الأنصار" ٢١٥٠٤ و٢١٥٢٧. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.