وتعقب بأنه قَالَ به ابن عمر، ثم سعيد بن المسيب، ثم الزهريّ، ثم ابن أبي ذئب، كما مضى، وهؤلاء منْ أكابر علماء أهل المدينة، فِي أعصارهم، ولا يحفظ عن أحد منْ علماء المدينة القول بخلافه، سوى عن ربيعة، وأما أهل مكة، فلا يَعرف أحد منهم القول بخلافه، فقد سبق عن عطاء، وطاوس، وغيرهما منْ أهل مكة. وَقَدْ اشتد إنكار ابن عبد البرّ، وابن العربي عَلَى منْ زعم منْ المالكية، أن مالكا ترك العمل به، لكون عمل أهل المدينة عَلَى خلافه.
وأيضاً فإن إجماعهم عَلَى تقدير صحته ليس حجة، قَالَ الشيخ تقيّ الدين ابن دقيق العيد رحمه الله فِي "شرح العمدة": الحقّ الذي لا شكّ فيه أن إجماعهم لا يكون حجة فيما طريقه الاجتهاد والنظر؛ لأن الدليل العاصم للأمة منْ الخطإ فِي الاجتهاد لا يتناول بعضهم، ولا مستند للعصمة سواه، وكيف يمكن أن يقال: بأن منْ كَانَ بالمدينة منْ الصحابة يُقبل خلافه ما دام مقيما بها، فإذا خرج عنها لم يقبل خلافه، هَذَا محال، فإن قبول قوله باعتبار صفات قائمة به، حيث حلّ، وَقَدْ خرج منها عليّ -رضي الله عنه-، وهو أفضل أهل زمانه بإجماع أهل السنّة، وَقَالَ أقوالاً بالعراق، كيف يمكن أن تهدر إذا خالفها أهل المدينة، وهو كَانَ رأسهم، وكذلك ابن مسعود -رضي الله عنه-، ومحلّه منْ العلم معلوم، وغيرهما قد خرجوا، وقالوا أقوالاً، عَلَى أن بعض النَّاس يقولون: إن المسائل المختلف فيها خارج المدينة، مختلف فيها بالمدينة، وادّعى العموم فِي ذلك. انتهى. ذكره فِي "الطرح" ٦/ ١٥٠.
وَقَالَ ابن العربي: إنما لم يأخذ به مالك؛ لأن وقت التفرق غير معلوم، فأشبه بيوع الغرر، كالملامسة.
وتعقب بأنه يقول بخيار الشرط، ولا يحده بوقت معين، وما ادّعاه منْ الغرر موجود فيه، وبأن الغرر فِي خيار المجلس معدوم؛ لأن كلا منهما متمكن منْ إمضاء البيع، أو فسخه بالقول، أو بالفعل، فلا غرر.
(رابعها): قالت طائفة: هو خبر واحد، فلا يُعمل به إلا فيما تعم به البلوي. ورد بأنه مشهور، فيعمل به كما ادعوا نظير ذلك فِي خبر القهقهة فِي الصلاة، وإيجاب الوتر.
(خامسها): قَالَ آخرون: هو مخالف للقياس الجلي، فِي إلحاق ما قبل التفرق بما بعده. وتعقب بأن القياس مع النص فاسد الاعتبار.
(سادسها): قَالَ آخرون: التفرق بالأبدان محمول عَلَى الاستحباب، تحسينا للمعاملة مع المسلم، لا عَلَى الوجوب.
(سابعها): قَالَ آخرون: هو محمول عَلَى الاحتياط؛ للخروج منْ الخلاف، وهذا