للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الله تعالى: التصرية: أن تربط أخلاف الناقة، أو الشاة، ويُترك حلبها اليومين، والثلاثة، حَتَّى يجتمع لها لبن، فيراه مشتريها كثيرًا، ويزيد فِي ثمنها؛ لما يرى منْ كثرة لبنها، فإذا حلبها بعد تلك الحلبة حلبةً، أو اثنتين عَرَف أن ذلك ليس بلبنها، وهذا غرور للمشتري. وَقَالَ أبو عبيد: "المصرّاة": الناقة، أو الشاة التي قد صُرّي اللبن فِي ضرعها: يعني حُقِن فيه، وجُمع أيامًا، فلم يُحلب، وأصل التصرية: حبس الماء، وجمعه، يقال منه: صَرَيتُ الماءَ، ويقال: إنما سُمّيت المُصَرَّاة، كأنها مياه اجتمعت، قَالَ أبو عبيد: ولو كَانَ منْ الربط، لكانت مصرورةً، أو مصرّرة. قَالَ الخطّابيّ: كأنه يريد به ردًّا عَلَى الشافعيّ، قَالَ: قول أبي عبيد حسنٌ، وقول الشافعيّ صحيح، قَالَ: والعرب تصُرّ ضروع الحلوبات، إذا أرسلتها تَسرح، ويسمّون ذلك الرباط صِرَارًا، فإذا راحت حُلّت تلك الأصرّة، وحُلبت، وهذا حديث أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لا يحلّ لرجل يؤمن بالله، واليوم الآخر أن يحُلّ صِرَارَ ناقة بغير إذن صاحبها، فإنه خاتم أهلها عليها" (١)، ومن هَذَا قول عنترة: العبد لا يُحسن الكرّ، إنما يُحسن الحلب والصرّ، وبقول مالك بن نُويرة، وكان بنو يربوع جمعوا صدقاتهم ليوجّهوها إلى أبي بكر -رضي الله عنه-، فمنعهم منْ ذلك، وردّ عَلَى كلّ رجل منهم صدقته، وَقَالَ: أنا جنة لكم مما تكرهون، وَقَالَ [منْ الطويل]:

وَقُلْتُ خُذُوهَا هَذِهِ صَدَقَاتُكُمْ … مُصَرَّرَةٌ أَخْلَافُهَا لَمْ تُجَرَّدِ

سَأَجْعَلُ نَفْسِي دُونَ مَا تجِدُونَهُ … وَأَرْهَنُكُمْ يَوْمًا بِمَا قُلْتُهُ يَدِي

قَالَ: ويحتمل أن تكون المصرّاة أصله المصرورة، أُبدلت إحدى الراءين ياءً، كقولهم: تقضّى الباز، وأصله تقضضَ، كرهوا اجتماع ثلاثة أحرف منْ جنس واحد فِي كلمة واحدة، فأبدلوا حرفًا منها بحرف آخر، ليس منْ جنسها. قَالَ العجاج [منْ مشطور الرجز]:

تَقَضِّيَ الْبَازِي إِذَا الْبَازِ كَسَرْ

ومن هَذَا الباب قول الله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: ١٠]: أي أخملها بمنع الخير، وأصله منْ دسسها، ومثل هَذَا فِي الكلام كثير. انتهى كلام الخطابيّ "معالم السنن" ٥/ ٨٤ - ٨٦.

وَقَالَ ابن الأثير رحمه الله تعالى: "المصرّاة": الناقة، أو البقرة، أو الشاة، يُصَرَّى اللبن فِي ضرعها: أي يُجمع، ويُحبس. قَالَ الأزهريّ: ذكر الشافعيّ -رضي الله عنه- المصرّاة، وفسّرها أنها التي تُصرّ أخلافها، ولا تُحلب أيامًا، حَتَّى يجتمع اللبن فِي ضرعها، فإذا حلبها المشتري استغزرها. وَقَالَ الأزهريّ: جائز أن تكون سُمّيت مصرّاة منْ صرّ


(١) فِي سنده شريك القاضي، وهو متكلم فيه، لكن له شاهد منْ حديث ابن عمر أخرجه أحمد فِي "مسنده" برقم ٤٤٧١ ومسلم فِي "صحيحه".