للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مثال، لا قيدٌ. وجعله مالك قيدًا، فحكى ابن عبد البرّ أنه قيل له: منْ أهل البادية؟ قَالَ: أهل العمود، قيل له: القرى المسكونة التي لا يفارقها أهلها فِي نواحي المدينة، يقدم بعضهم بالسلع، فيبيعها لهم أهل المدينة؟ قَالَ: نعم، إنما معنى الْحَدِيث أهل العمود. وحكى ابن عبد البرّ أيضًا عن مالك أنه قَالَ: تفسير ذلك أهل البادية، وأهل القرى، فأما أهل المدائن، منْ أهل الريف، فإنه ليس بالبيع لهم بأس، ممن يرى أنه يعرف السوم، إلا منْ كَانَ منهم يشبه أهل البادية، فإني لا أحبّ أن يبيع لهم حاضر، قَالَ: وبه قَالَ ابن حبيب، قَالَ: والبادي الذي لا بيع لهم الحاضر هم أهل العمود، وأهل البوادي، والبراري، مثل الأعراب، قَالَ: وجاء النهي فِي ذلك؛ إرادة أن يُصيب النَّاس ثمرتهم، ثم ذكر حديث جابر -رضي الله عنه- الآتي بعد حديثين: "لا يبيع حاضر لباد، دَعُوا النَّاس يرزق الله بعضهم منْ بعض"، قَالَ: فأما أهل القرى الذين يعرفون أثمان سلعتهم، وأسواقها، فلم يُعْنَوا بهذا الْحَدِيث. وحكى ابن عبد البرّ أيضًا، عن ابن القاسم أنه قَالَ: ثم قَالَ -يعني مالكًا- بعد ذلك: ولا يبيع مصريّ لمدنيّ، ولا مدنيّ لمصريّ، ولكن يشير عليه. وحكى ابن الحاجب فِي "مختصره" الخلاف فِي ذلك عن مالك، فَقَالَ: وفي "الموطّإ" يحمله عَلَى أهل العمود؛ لجهلهم بالأسعار، وقيل: بعمومه؛ لقوله: ولا يبيع مدنيّ لمصريّ، ولا مصريّ لمدنيّ. انتهى.

وفسّر الحنفيّة بيع الحاضر للبادي بصورة أخرى، وهي أن يبيع الحضريّ شيئًا مما يَحتاج إليه أهل الحضر لأهل البادية؛ لطلب زيادة السعر، فَقَالَ صاحب "الهداية" بعد ذكره هَذَا الْحَدِيث: وهذا إذا كَانَ أهل البلد فِي قحط، وعوز، وهو يبيع منْ أهل البدو؛

طمعًا فِي الثمن الغالي؛ لما فيه منْ الإضرار بهم، أما إذا لم يكن كذلك، فلا بأس به؛ لانعدام الضرر. انتهى.

قَالَ الحافظ وليّ الدين رحمه الله تعالى: ويردّ حمل الْحَدِيث عَلَى هذه الصورة قول ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما، لَمّا سئِل عن تفسيره: لا يكون له سِمْسَارًا، والحديثُ الذي رواه أبو داود منْ طريق ابن إسحاق، عن سالم المكيّ، أن أعرابيّا حدّثه أنه قدم بجلوبة (١) له، عَلَى عهد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فنزل عَلَى طلحة بن عُبيد الله، فَقَالَ: إن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يبيع حاضرٌ لباد، ولكن اذهب إلى السوق، فانظر منْ يبايعك، فشاورني حَتَّى آمرك، وأنهاك. انتهى "طرح التثريب" ٦/ ٧٢ - ٧٦.

وَقَالَ ابن قدامة رحمه الله تعالى فِي "المغني" ج: ٤ ص: ١٥٠: بيع الحاض للباد:


(١) اختلف فِي ضبطها، فضبطها بعضهم بالحاء المهملة المفتوحة، وهي الناقة التي تُحلب، وبعضهم بالجيم المفتوحة: وهي ما يُجلب للبيع منْ كل شيء. وقيل: غير ذلك.