للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النهي عن بيع الحاضر للبادي منسوخ، وحُكي ذلك عن عطاء، ومجاهد، وأبي حنيفة. وردّه الجمهور بأن النهي الذي هنا خاصّ، فيُقدّم عَلَى عموم الأمر بالنصيحة، ويكون هَذَا كالمستثنى منها. قَالَ النوويّ: والصحيح الأول، ولا يُقبل النسخ، ولا كراهة التنزيه بمجرّد الدعوى. قَالَ القفّال منْ الشافعيّة: والإثم عَلَى البلديّ، دون البدويّ. ذكره وليّ الدين فِي "طرحه" ٦/ ٧٢.

وَقَالَ ابن قُدامة فِي "المغني" ٦/ ٣٠٩ - ٣١٠ - : وممن كره بيع الحاضر للبادي طلحة ابن عبيد الله، وابن عمر، وأبو هريرة، وأنس، وعمر بن عبد العزيز، ومالك، والليث، والشافعي، ونقل أبو إسحاق بن شاقلا، فِي جملة سماعاته، أن الحسن بن علي المصريّ، سأل أحمد عن بيع حاضر لباد؟، فَقَالَ: لا بأس به، فَقَالَ له: فالخبر الذي جاء بالنهي؟ قَالَ: كَانَ ذلك مرة، فظاهرُ هَذَا صحة البيع، وأن النهي اختص بأول الإِسلام، لِمَا كَانَ عليهم منْ الضيق فِي ذلك، وهذا قول مجاهد، وأبي حنيفة، وأصحابه، والمذهبُ: الأول؛ لعموم النهي، وما يثبت فِي حقهم، يثبت فِي حقنا، ما لم يقم عَلَى اختصاصهم به دليل. انتهى "المغني" ٦/ ٣٠٩ - ٣١٠.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبين بهذا أن الصواب قول الجمهور، وهو أن بيع الحاضر للبادي حرام مطلقًا؛ لعموم الأدلّة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فيما ذكره العلماء منْ الشروط لتحريم بيع الحاضر للبادي:

قَالَ ابن قدامة رحمه الله تعالى: ظاهر كلام الخرقيّ أنه يحرم بثلاثة شروط: [أحدهما]: أن يكون الحاضر قصد البادي، ليتولى البيع له. [والثاني]: أن يكون البادي جاهلا بالسعر؛ لقوله: فيعرّفه السعر، ولا يكون التعريف إلا لجاهل، وَقَدْ قَالَ أحمد، فِي رواية أبي طالب: إذا كَانَ البادي، عارفا بالسعر لم يحرم. [والثالث]: أن يكون قد جلب السلع للبيع؛ لقوله: وَقَدْ جلب السلع، والجالب هو الذي يأتي بالسلع ليبيعها، وذكر القاضي شرطين، آخرين: [أحدهما]: أن يكون مريدا لبيعها بسعر يومها. [الثاني]: أن يكون بالناس حاجة إلى متاعه، وضيق فِي تأخير بيعه.

وَقَالَ أصحاب الشافعيّ: إنما يحرم بشروط أربعة، وهي ما ذكرنا، إلا حاجة النَّاس إلى متاعه، فمتى اختل منها شرط، لم يحرم البيع. انتهى "المغني" ٦/ ٣٠٩ - ٣١٠.

وَقَالَ الحافظ وليّ الدين رحمه الله تعالى: قَالَ أصحابنا -يعني الشافعية-: إنما يحرم بشروط: [أحدها]: أن يكون عالمًا بالنهي فيه، وهذا شرط يعمّ جميع المناهي. [والثاني]: أن يكون المتاع المجلوب مما تعمّ الحاجة إليه، كالأطعمة، ونحوها، فأما