وقوله:"لتكفىء" بالبناء للفاعل، افتعال منْ كفأ بالهمزة: أي لتكبّ ما فِي إنائها منْ الخير، وهو علّة للسؤال، والمراد أنها لا تسأل طلاقها لتصرف به ما لها منْ النفقة، والكسوة منْ الزوج عنها إليها.
وقوله:"ولتُنكح" بالباء للمفعول، وهو منصوب بالعطف عَلَى "تكفىءَ"، وَقَدْ تقدّم بيان ما يتعلّق به، وبالخطبة عَلَى خِطبة أخيه، مستوفًى فِي "كتاب النكاح"، فراجعه تستفد.
والحديث متَّفقٌ عليه، وَقَدْ تقدّم فِي "كتاب النكاح" ٢٠/ ٣٢٤٠ - وتقدّم شرحه، وبيان مسائله، فما بقي إلا أن أتكلّم عَلَى ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو السوم عَلَى سوم أخيه، فأقول:
(مسألة): فِي أقوال أهل العلم فِي معنى السوم عَلَى سوم أخيه، وحكمه:
قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: ما حاصله: معنى "سوم الرجل عَلَى سوم أخيه"، هو أن يكون، قد اتفق مالك السلعة، والراغب فيها عَلَى البيع، ولم يعقداه، فيقول الآخر للبائع: أنا أشتريه، وهذا حرام بعد استقرار الثمن، وأما السوم فِي السلعة التي تباع فيمن يزيد، فليس بحرام. انتهى "شرح مسلم" ١٠/ ٣٩٨.
وَقَالَ فِي "الفتح": قَالَ العلماء: البيع عَلَى البيع حرام، وكذلك الشراء عَلَى الشراء، وهو أن يقول لمن اشترى سلعة، فِي زمن الخيار: افسَخْ لأبيعك بأنقص، أو يقول للبائع: افسخ لأشتري منك بأزيد، وهو مجمع عليه.
وأما السوم، فصورته أن يأخذ شيئًا لشتريه، فيقول له: رُدّه لأبيعك خيرا منه بثمنه، أو مثله بأرخص، أو يقول للمالك: استَرِدَّه لأشتريه منك بأكثر، ومحله بعد استقرار الثمن، وركون أحدهما إلى الآخر، فإن كَانَ ذلك صريحا، فلا خلاف فِي التحريم، وإن كَانَ ظاهرا ففيه وجهان للشافعية.
ونقل ابن حزم اشتراط الركون عن مالك، وَقَالَ: إن لفظ الْحَدِيث لا يدل عليه.
وتعقب بأنه لابد منْ أمر مبين لموضع التحريم فِي السوم؛ لأن السوم فِي السلعة التي تباع فيمن يزيد، لا يحرم اتفاقا، كما نقله ابن عبد البرّ، فتعين أن السوم المحرم ما وقع فيه قدر زائد عَلَى ذلك.
وَقَدْ استثنى بعض الشافعيّة، منْ تحريم البيع والسوم عَلَى الآخر، ما إذا لم يكن المشترى مغبونا غبنا فاحشا، وبه قَالَ ابن حزم، واحتج بحديث:"الدينُ النصيحة"، لكن لم تنحصر النصيحة فِي البيع والسوم، فله أن يُعَرّفه أن قيمتها كذا، وأنك إن بعتها بكذا مغبون، منْ غير أن يزيد فيها، فيجمع بذلك بين المصلحتين.