للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عنهما أنه قَالَ: "أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى، قد أحله الله فِي كتابه، وأذن فيه، ثم قرأ هذه الآية"، ولأن هَذَا اللفظ يَصلح للسلم، ويشمله بعمومه.

وأما السنة: فرَوَى ابنُ عباس رضي الله تعالى عنهما، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنهم قَدِمُوا المدينة، وهم يُسلفون فِي الثمار السنتين والثلاث، فَقَالَ: "منْ أسلف فِي شيء، فليُسلِف فِي كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم"، مُتّفق عليه (١)، وروى البخاريّ عن محمد بن أبي المجالد، قَالَ: أرسلني أبو بردة، وعبد الله بن شداد، إلى عبد الرحمن بن أبزى، وعبد الله بن أبي أوفى، فسألتهما عن السلف، فقالا: كنا نُصيب المغانم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكان يأتينا أنباط منْ أنباط الشام، فنسلفهم فِي الحنطة، والشعير، والزبيب، فقلت: أكان لهم زرع، أم لم يكن لهم زرع؟، قَالَ: ما كنا نسألهم عن ذلك (٢).

وأما الإجماع: فَقَالَ ابن المنذر: أجمع كُلُّ منْ نَحفظ عنه منْ أهل العلم، عَلَى أن السلم جائز، ولأن المثمن فِي البيع أحد عوضي العقد، فجاز أن يثبت فِي الذمة كالثمن، ولأن بالناس حاجة إليه, لأن أرباب الزروع، والثمار، والتجارات يحتاجون إلى النفقة عَلَى أنفسهم، وعليها؛ لتكمل، وَقَدْ تُعوزهم النفقة، فجُوّز لهم السلم؛ ليرتفقوا، ويَرتفق الْمُسلِم بالاسترخاص. انتهى.

وَقَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: السلم، والسلف عبارتان عن مُعَبَّر واحد، غير أن الاسم الخاصّ بهذا الباب السلم؛ لأن السلف يُقال عَلَى القرض، والسلم فِي عرف الشرع: بيع منْ البيوع الجائزة بالاتفاق، غير أنه مختصّ بشروط، منها متّفقٌ عليها، ومنها مختلف فيها، وَقَدْ حدّه أصحابنا -يعني المالكيّة- بأن قالوا:

هو بيع معلوم فِي الذّمّة، محصور بالصفة، بعين حاضرة، أو ما فِي حكمها، إلى أجل معلوم.

فتقييده بـ"معلوم فِي الذّمّة": يفيد التحرّز منْ المجهول، ومن السلم فِي الأعيان المعيّنة، مثل الذي كانوا يُسلفون فِي المدينة حين قدِم عليهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فإنهم كانوا يُسلفون فِي ثمار بأعيانها، فنهاهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك؛ لما فيه منْ الغرر؛ إذ قد تُخلف تلك النخيل، فلا تُثمر شيئًا.

وقولنا: "محصور بالصفة": تحرّز عن المعلوم عَلَى الجملة، دون التفصيل، كما لو أسلم فِي ثمر، أو ثياب، ولم يُبيّن نوعها, ولا صفتها المعيّنة.

وقولنا: "بعين حاضرة": تحرّز منْ الدين بالدين. وقولنا: "أو ما هو فِي حكمها": تحرّز منْ اليومين، والثلاثة التي يجوز تأخير رأس مال السلم إليها، فإنه يجوز عندنا


(١) هو الْحَدِيث الآتي للمصنف برقم ٦٣/ ٤٦١٨.
(٢) هو الْحَدِيث الذي أورد المصنّف بعد هَذَا.