ومالك، وجماهير العلماء، منْ السلف والخلف أنه يجوز قرض جميع الحيوانات، إلا الجارية لمن يملك وطأها، فإنه لا يجوز، ويجوز إقراضها لمن لا يملك وطأها، كمحارمها، والمرأة، والخنثى.
[والمذهب الثاني]: مذهب المزنيّ، وابن جرير، وداود: أنه يجوز قرض الجارية، وسائر الحيوانات لكلّ واحد.
[والمذهب الثالث]: مذهب أبي حنيفة، والكوفيين أنه لا يجوز قرض شيء منْ الحيوانات، وهذه الأحاديث تردّ عليهم، ولا تُقبل دعواهم النسخ بغير دليل. انتهى "شرح مسلم" ١١/ ٣٨.
وَقَالَ فِي "الفتح": ما حاصله: ذهب أكثر أهل العلم إلى جوازه، وذهب الثوري، والحنفية إلى منعه، واحتجوا بحديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وهو حديث، قد رُوي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، مرفوعا، أخرجه ابن حبّان، والدارقطني، وغيرهما، ورجال إسناده ثقات، إلا أن الحفاظ رجحوا إرساله، وأخرجه المصنّف فِي الباب التالي، والترمذي، منْ حديث الحسن، عن سمرة -رضي الله عنه-، وفي سماع الحسن منْ سمرة اختلاف، قَالَ الحافظ رحمه الله تعالى: وفي الجملة هو حديث صالح للحجيّة.
وادعى الطحاوي أنه ناسخ لحديث الباب. وتُعُقّب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، والجمع بين الحديثين ممكن، فقد جمع بينهما الشافعيّ، وجماعة، يحمل النهي عَلَى ما إذا كَانَ نسيئة منْ الجانبين، ويتعين المصير إلى ذلك؛ لأن الجمع بين الحديثين أولى منْ إلغاء أحدهما بإتفاق، وإذا كَانَ ذلك المراد منْ الْحَدِيث بقيت الدلالة عَلَى جواز استقراض الحيوان، والسلم فيه.
واعتل منْ منع أيضًا بأن الحيوان يختلف اختلافا متباينا، حَتَّى لا يوقف عَلَى حقيقة المثلية فيه.
وأجيب بأنه لا مانع منْ الإحاطة به بالوصف، بما يدفع التغاير، وَقَدْ جوّز الحنفية التزويج، والكتابة عَلَى الرقيق الموصوف فِي الذمة. قاله فِي "الفتح" ٥/ ٣٣٦ - ٣٣٧.
وَقَالَ ابن المنذر رحمه الله تعالى: أجمع كل منْ نحفظ عنه منْ أهل العلم، عَلَى أن استقراض ماله مثل منْ المكيل والموزون، والأطعمة جائز، ويجوز قرض كل ما يثبت فِي الذمة سَلَمًا، سوى بني آدم، وبهذا قَالَ الشافعيّ، وَقَالَ أبو حنيفة: لا يجوز قرض غير المكيل والموزون؛ لأنه لا مثل له، أشبه الجواهر.
واحتجّ الأولون بأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، استسلف بكرا, وليس بمكيل ولا موزون؛ ولأن ما