الأجل. انتهى (فَأَرْسَلَ) -صلى الله عليه وسلم- (إِلَيْهِ) أي إلى ذلك اليهوديّ (فَقَالَ) اليهوديّ (قَدْ عَلِمْتُ مَا يُرِيدُ مُحَمَّدٌ) -صلى الله عليه وسلم-، و"ما" استفهاميّة، عُلّق بها "علمت"، أو هي موصولة، مفعول "علمت" بمعنى عرفت، ولذا تعدّت إلى مفعول واحد، كما قَالَ ابن مالك رحمه الله تعالى:
(إِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِمَالِي، أَوْ) للشكّ منْ الراوي: أي أو قَالَ: أن (يَذْهَبَ بهِمَا) أي بالبردين (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كَذَبَ) فِي دعواه هَذَا الباطلِ (قَدْ عَلِمَ أَنَّي مِنْ أَتْقَاهُمْ لله) أي أشدّ النَّاس فِي تقوى الله سبحانه وتعالى (وَآدَاهُمْ لِلأَمَانَةِ) بمدّ الألف: أي أحسنهم أداءً للأمانة، ووفاء بالعهد. يقال: هو أَدّى للأمانة منْ غيره بمدّ الألف، وَقَالَ ابن سِيدَهْ: وَقَدْ لَهِجَ العامّة بالخطإ، فقالوا: فلان أَدّى للأمانة بتشديد الدال، وهو لحن، غير جائز. وَقَالَ الأزهريّ: ما علمت أحدًا منْ النحويين أجاز "آدى"؛ لأن أفعل فِي باب التعجّب لا يكون إلا فِي الثلاثيّ، ولا يقال: أَدَى بالتخفيف، بمعنى أَدّى بالتشديد. أفاده المرتضى. "تاج العروس" ١٠/ ١٢.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: فيما قاله الأزهريّ نظر؛ لأنه يلزم منه تلحين هَذَا الْحَدِيث، فِي قوله: "وآداهم للأمانة"، فالحقّ جواز استعمال "هو آدى للأمانة"، كما أثبته فِي "الصحاح" و"القاموس" فافهم. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث عائشة رضي الله تعالى عنها هَذَا صحيح.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٧٠/ ٤٦٣٠ - وفي "الكبرى" ٧١/ ٦٢٢٤. وأخرجه (ت) فِي "البيوع" ١٢١٣. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان جواز البيع إلى الأجل المعلوم. (ومنها): ما كَانَ عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- منْ الصبر عَلَى قلّة العيش، مع أن الله تعالى خيّره أن يكون نبيّا ملكًا، أو نبيّا عبدًا، فاختار أن يكون نبيّا عبدًا؛ لأن ما له عند الله تعالى خيرٌ، وأبقى، فلم يلتفت إلى ملك الدنيا، قَالَ الله عز وجل: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: ٤، ٥]، وَقَالَ سبحانه وتعالى: