-صلى الله عليه وسلم-، إلا أن يتوب، وأفحمت صاحبتنا، فلم تتكلّم طويلاً، ثم إنه سهل عنها، فقالت: يا أم المؤمنين، أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي؟ فتلت عليها:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} الآية [البقرة: ٢٧٥].
فلولا أن عند أم المؤمنين علمًا لا تستريب فيه أن هَذَا محرّم، لم تستجز أن تقول مثل هَذَا بالاجتهاد، ولاسيّما إن كانت قد قصدت أن العمل يُحبط بالردّة، وأن استحلال الربا كفرٌ، وهذا منه، ولكن زيدًا معذورٌ؛ لأنه لم يعلم أن هَذَا محرم، ولهذا قالت:"أبلغيه".
ويحتمل أن تكون قد قصدت أن هَذَا منْ الكبائر التي يقاوم إثمها ثواب الجهاد، فيصير بمنزلة منْ عمل حسنة وسيّئةً بقدرها، فكأنه لم يعمل شيئًا.
وعلى التقديرين لجزم أم المؤمنين بهذا دليلٌ عَلَى أنه لا يسوغ فيه الاجتهاد، ولو كانت هذه منْ مسائل الاجتهاد، والنزاع بين الصحابة لم تُطلق عائشة ذلك عَلَى زيد، فإن الحسنات لا تبطل بمسائل الاجتهاد.
ولا يقال: فزيد منْ الصحابة، وَقَدْ خالفها؛ لأن زيدًا لم يقل: هَذَا حلالٌ، بل فعله، وفعل المجتهد لا يدلّ عَلَى قوله، عَلَى الصحيح؛ لاحتمال سهو، أو غفلة، أو تأويل، أو رجوع، ونحوه، وكثيرًا ما يفعل الرجل الشيء، ولا يعلم مفسدته، فإذا نُبّه له انتبه، ولاسيّما أم ولده، فإنها دخلت عَلَى عائشة تستفتيها، وطلبت الرجوع إلى رأس مالها، وهذا يدلّ عَلَى الرجوع عن ذلك العقد، ولم يُنقل عن زيد أنه أصرّ عَلَى ذلك.
[فإن قيل]: لا نسلّم ثبوت الْحَدِيث، فإن أم ولد زيد مجهولة؟.
[قلنا]: أم ولده لم ترو الْحَدِيث، وإنما كانت هي صاحبة القصّة، وأما العالية، فهي امرأة أبي إسحاق السبيعيّ، وهي منْ التابعيّات، وَقَدْ دخلت عَلَى عائشة، وروى عنها أبو إسحاق، وهو أعلم بها، وفي الْحَدِيث قصّة، وسياق يدلّ عَلَى أنه محفوظ، وأن العالية لم تختلق هذه القصّة، ولم تضعها، بل يغلب عَلَى الظنّ غلبةً قويّة صدقها فيها، وحفظها لها, ولهذا رواها عنها زوجها ميمون (١) ولم ينهها, ولاسيّما عند منْ يقول: رواية العدل عن غيره تعديل له، والكذب لم يكن فاشيًا فِي التابعين فشوّه فيمن بعدهم، وكثير منهم كَانَ يروي عن أمه، وامرأته ما يُخبرن به أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويحتجّ به.
فهذه أربعة أحاديث تبيّن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرّم العينة: حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما الذي فيه تغليظ العينة. وحديث أنس، وابن عباس -رضي الله عنهم- أنها مما حرّم الله