قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رجال هَذَا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وتقدّموا غير مرّة.
والسند مسلسلٌ بالمدنيين، سوى شيخه، فبغلانيّ، والليث بن سعد، فمصريّ، وفيه رواية تابعيّ، عن تابعيّ، ورواية الراوي عن خالته، وفيه عائشة رضي الله تعالى عنها منْ المكثرين السبعة، وَقَدْ تقدّم هَذَا غير مرّة.
قوله: "بريرة" بفتح الموحّدة، وكسر الراء: بنت صفوان مولاة عائشة رضي الله تعالى عنهما.
وقولها: "أن أقضي عنك كتابتك": أي أشتريك، وأُعتقك، وسُمي ذلك قضاء للكتابة مجازًا، ثم فيه بيع المكاتب، ومن لا يراه يحمله عَلَى أنه كَانَ بعد فسخ الكتابة، وتعجيزها برضا الطرفين، والصواب الأول، كما سيأتي تحقيقه فِي المسألة الثانية، إن شاء الله تعالى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الْحَدِيث متّفقٌ عليه، وَقَدْ سبق فِي "الزكاة" ٢٦١٤ و"الطلاق" ٣٤٤٧ و٣٤٥١ ومضى شرحه مستوفى هناك، وكذا بيان مسائله، وَقَدْ بقي البحث هنا فيما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، فأقول: فيه مسألتان:
(المسألة الأولى): فِي اختلاف أهل العلم فِي حكم الكتابة:
ذهب عامّة أهل عامة أهل العلم إلى أن الكتابة مستحبّة، إذا سأل العبد سيده مكاتبته، وعلم مولاه فيه خيرًا، وممن قَالَ بهذا: الحسن، والشعبي، ومالك، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي.
وعن أحمد أنها واجبة، إذا دعا العبد المكتسب الصدوق سيده إليها، فعليه إجابته، وهو قول عطاء، والضحاك، وعمرو بن دينار، وداود، وَقَالَ إسحاق أخشى: أن يأثم إن لم يفعل، ولا يُجبر عليه، ووجه ذلك قول الله تعالى:{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}[النور: ٣٣]، وظاهر الأمر الوجوب، وروي أن سيرين أبا محمد بن سيرين، كَانَ عبدا لأنس بن مالك -رضي الله عنه-، فسأله أن يكاتبه فأبى، فأخبر سيرين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بذلك، فرفع الدَّرَّة عَلَى أنس، وقرأ عليه: -رضي الله عنه- {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}، فكاتبه أنس -رضي الله عنه-.
واحتجّ الأولون بأنه إعتاق بعوض، فلم يجب كالاستسعاء، والآية محمولة عَلَى الندب، وقول عمر رضي الله عنه يخالف فعل أنس.