قال الجامع عفا الله عنه: والصواب أن لفظ "السيد" يجوز إطلاقه على الله تعالى، لحديث أبي داود المذكور، وهو حديث صحيح، ويجوز إطلاقه على المخلوق إذا لم يكن فاسقا، للأحاديث المتقدمة في
كلام النووي.
وأما نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن قولهم "يا سيدنا" فهو من باب التحذير عن الغُلُوّ في المدح، فالحديث صريح في ذلك، فقد أخرج أبو داود بسند جيد، وصححه غير واحد -كما قال في الفتح جـ ٥ ص ١٧٩ - عن عبد الله بن الشِّخِّير رضي الله عنه، قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلنا: أنت سيدنا، فقال:"السيد الله تبارك وتعالى" قلنا: وأفضلنا فضلا، وأعظمنا طولا، فقال:"قولوا بقولكم" أو "بعض قولكم، ولا يَستَجْريَنَّكم الشيطان"(١).
(محمَّد) هو علم نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وهو أشرف أسمائه، منقول من اسم مفعول حُمِّدَ، وهو يتضمن الثناء على المحمود، وإجلاله وتعظيمه ومحبته، وهو عَلَم وصفة اجتمع فيه الأمران في حقه - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان علما محضا في حق غيره. وهذا شأن أسماء الله تعالى، وأسماء كتبه، وأسماء نبيه - صلى الله عليه وسلم - هي أعلام دالة على معان هي أوصاف، فلا تضاد فيها العلميةُ الوصفيةَ، فهو - صلى الله عليه وسلم - محمود عند الله، وعند ملائكته، وعند إخوانه من المرسلين، وعند أهل الأرض كلهم، وإن كفر به بعضهم عنادا، وقد اختص من مسمى الحمد بما لم يجتمع لغيره، فإنه محمَّد، وأحمد، وأمته الحامدون، وصلاته مفتتحة بالحمد، وخطبته مفتتحة بالحمد، وكتابه مفتتح بالحمد، وبيده لواء الحمد يوم القيامة، وهو صاحب المقام المحمود الذي يغبطه فيه الأولون والآخرون. وقد أجاد في
(١) أي لا يستتبعنكم، فيتخذكم جريَّهُ، أي وكيله، وسمي الوكيل جريًا، لأنه يجري مَجْرَى موكله. أفاده في السان.