للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أبا بكر النيسابوري يقول: ما أحسن ما رواه همام ضبطه، وفصل بين قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وبين قول قتادة.

قَالَ الحافظ: هكذا جزم هؤلاء بأنه مدرج، وأَبىَ ذلك آخرون، منهم: صاحبا "الصحيح"، فصححا كون الجميع مرفوعا، وهو الذي رجحه ابن دقيق العيد، وجماعة؛ لأن سعيد بن أبي عروبة، أعرف بحديث قتادة؛ لكثرة ملازمته له، وكثرة أخذه عنه، منْ همام وغيره، وهشام، وشعبة، وإن كانا أحفظ منْ سعيد، لكنهما لم ينافيا ما رواه، وإنما اقتصرا منْ الْحَدِيث عَلَى بعضه، وليس المجلس متحدا، حَتَّى يتوقف فِي زيادة سعيد، فإن ملازمة سعيد لقتادة، كانت أكثر منهما، فسمع منه ما لم يسمعه غيره، وهذا كله لو انفرد، وسعيد لم ينفرد، وَقَدْ قَالَ النسائيّ فِي حديث قتادة، عن أبي المليح، فِي هَذَا الباب، بعد أن ساق الاختلاف فيه عَلَى قتادة: هشام، وسعيد أثبت فِي قتادة، منْ همام. وما أُعل به حديث سعيد، منْ كونه اختلط، أو تفرد به مردود, لأنه فِي "الصحيحين"، وغيرهما منْ رواية منْ سمع منه قبل الاختلاط، كيزيد بن زريع، ووافقه عليه أربعة تقدم ذكرهم، وآخرون معهم، لا نطيل بذكرهم، وهمام هو الذي انفرد بالتفصيل، وهو الذي خالف الجميع، فِي القدر المتفق عَلَى رفعه، فإنه جعله واقعة عين، وهم جعلوه حكما عاما، فدل عَلَى أنه لم يضبطه، كما ينبغي، والعجب ممن طعن فِي رفع الاستسعاء، يكون همام جعله منْ قول قتادة، ولم يطعن فيما يدل عَلَى ترك الاستسعاء، وهو قوله، فِي حديث ابن عمر، فِي الباب الماضي: "وإلا فقد عَتَق منه ما عَتَق"، يكون أيوب جعله منْ قول نافع، كما تقدم شرحه، ففصل قول نافع منْ الْحَدِيث، وميزه كما صنع همام سواء، فلم يجعلوه مدرجا، كما جعلوا حديث همام مدرجا، مع كون يحيى بن سعيد وافق أيوب فِي ذلك، وهمام لم يوافقه أحد، وَقَدْ جزم بكون حديث نافع مدرجا محمد بن وضاح وآخرون، والذي يظهر أن الحديثين صحيحان مرفوعان؛ وفاقا لعمل صاحبي "الصحيح".

وَقَالَ بن المواق: والإنصاف أن لا نُوَهِّم الجماعة بقول واحد، مع احتمال أن يكون سمع قتادة يفتي به، فليس بين تحديثه به مرة، وفتياه به أخرى منافاة. قَالَ الحافظ: ويؤيد ذلك أن البيهقي، أخرج منْ طريق الأوزاعي، عن قتادة أنه أفتى بذلك.

والجمع بين حديثي ابن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم- ممكن، بخلاف ما جزم به الإسماعيلي، قَالَ ابن دقيق العيد: حسبك بما اتفق عليه الشيخان، فإنه أعلى درجات الصحيح، والذين لم يقولوا بالاستسعاء، تعللوا فِي تضعيفه بتعليلات، لا يمكنهم الوفاء بمثلها، فِي المواضع التي يحتاجون إلى الاستدلال فيها، بأحاديث يَرُدُّ عليها مثل تلك