فِي مملوك، فَقَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "هو كله فليس لله شريك"، ويمكن حمله عَلَى ما إذا كَانَ المعتق غنيا، أو عَلَى ما إذا كَانَ جميعه له، فأعتق بعضه، فقد رَوَى أبو داود منْ طريق مِلْقَام بن التَّلِبّ (١)، عن أبيه: أن رجلا أعتق نصيبه منْ مملوك، فلم يضمنه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وإسناده حسن، وهو محمول عَلَى المعسر، وإلا لتعارضا.
وجمع بعضهم بطريق أخرى، فَقَالَ أبو عبد الملك: المراد بالاستسعاء، أن العبد يستمر فِي حصة الذي لم يُعتق رقيقا، فيسعى فِي خدمته بقدر ما له فيه منْ الرق، قالوا: ومعنى قوله: "غير مشقوق عليه"، أي منْ وجه سيده المذكور، فلا يكلفه منْ الخدمة، فوق حصة الرق، لكن يَرُدُّ عَلَى هَذَا الجمع قوله، فِي الرواية المتقدمة:"واستسعي فِي قيمته لصاحبه".
واحتج منْ أبطل الاستسعاء، بحديث عمران بن حصين، عند مسلم:"أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته، لم يكن له مال غيرهم، فدعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجزهم أثلاثا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة".
ووجه الدلالة منه، أن الاستسعاء لو كَانَ مشروعا، لنجز منْ كل واحد منهم عتق ثلثه، وأمره بالاستسعاء فِي بقية قيمته لورثة الميت.
وأجاب منْ أثبت الاستسعاء، بأنها واقعة عين، فيحتمل أن يكون قبل مشروعية الاستسعاء، ويحتمل أن يكون الاستسعاء مشروعا إلا فِي هذه الصورة، وهي ما إذا أعتق جميع ما ليس له أن يعتقه، وَقَدْ أخرج عبد الرزاق بإسناد، رجاله ثقات، عن أبي قلابة، عن رجل منْ عُذْرة:"أن رجلا منهم أعتق مملوكا له عند موته، وليس له مال غيره، فأعتق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلثه، وأمره أن يسعى فِي الثلثين"، وهذا يعارض حديث عمران، وطريق الجمع بينهما ممكن.
واحتجوا أيضا بما رواه النسائيّ فِي "الكبرى" ١٤/ ٤٩٦١ - منْ طريق سليمان بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر، بلفظ:"منْ أعتق عبدا, وله فيه شركاء، وله وفاء، فهو حر، ويضمن نصيب شركائه بقيمته، لما أساء منْ مشاركتهم، وليس عَلَى العبد شيء".
والجواب مع تسليم صحته، أنه مختص بصورة اليسار؛ لقوله فيه: وله وفاء، والاستسعاء إنما هو فِي صورة الإعسار، كما تقدم، فلا حجة فيه.