واحتج منْ لم يقل بشفعة الجوار أيضا، بأن الشفعة ثبتت عَلَى خلاف الأصل؛ لمعنى معدوم فِي الجار، وهو أن الشريك، ربما دخل عليه شريكه، فتأذى به، فدعت الحاجة إلى مقاسمته، فيدخل عليه الضرر بنقص قيمة ملكه، وهذا لا يوجد فِي المقسوم. والله أعلم. قاله فِي "الفتح" ٥/ ١٩٤ - ١٩٥. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أبي رافع -رضي الله عنه- هَذَا أخرجه البخاريّ.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -١٠٩/ ٤٧٠٤ وفي "الكبرى" ١١١/ ٦٣٠١. وأخرجه (خ) فِي "الشفعة" ٢٢٥٨ (د) فِي "البيوع" ٢٥١٦ (ق) فِي "الأحكام" ٢٤٩٥ (أحمد) فِي "مسند القبائل" ٢٦٦٣٩. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان حكم الشفعة، وهو أنها مشروعة، وَقَدْ سبق أن جوازها مجمع عليه، إلا ما شذّ به أبو بكر الأصمّ، حيث أنكرها. (ومنها): عناية الشارع بتأكيد أمر الجوار، حيث أثبت للجار الأحقيّة عَلَى غيره فِي ملك جاره. (ومنها): أنه قد استدلّ به القائلون بثبوت الشفعة للجار، وأجاب المانعون بأنه ليس فيه ذكر الشفعة، فيحتمل أن يكون المراد به الشفعة، ويحتمل أن يكون أحقّ بالبرّ والمعونة، قاله البغويّ. قَالَ الشوكانيّ: ولا يخفى بعد هَذَا الحمل، لاسيّما بعد قوله فِي الْحَدِيث:"ليس لأحد فيها شرك"، والأولى أن يجاب بحمل هَذَا المطلق عَلَى المقيّد، كحديث جابر -رضي الله عنه-: "الجار أحقّ بشفعة جاره، يُنتظر بها، وإن كَانَ غائبًا، إذا كَانَ طريقهما واحدًا"، رواه أحمد، وأصحاب السنن, إلا النسائيّ. لا يقال: إن نفي الشرك فيها يدلّ عَلَى اتحاد الطريق، فلا يصحّ تقييده بالحديث المذكور؛ لأنا نقول: إنما نفى الشرك عن الأرض، لا عن طريقها, ولو سُلِّم عدم صحّة التقييد باتحاد الطريق، فأحاديث إثبات الشفعة بالجوار تُخَصِّصُهُ بما سلف، ولو فُرض عدم صحة التخصيص للتصريح بنفي الشركة، فهي مع ما فيها منْ المقال، لا تنتهض لمعارضة الأحاديث القاضية بنفي شفعة الجار الذي ليس بمشارك. انتهى "نيل الأوطار" ٥/ ٣٥٩ وهو بحث نفيس. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي أحكام الشفعة: