وحجة الأولين أنه لا يدخل فِي البيع تبعا، فلا يؤخذ بالشفعة، كقماش الدار، وعكسه البناء والغراس، وتحقيقه أن الشفعة بيع فِي الحقيقة، لكن الشارع جعل له سلطان الأخذ بغير رضي المشتري، فَإِنْ بِيعَ الشجر وفيه ثمرة غير ظاهرة، كالطلع غير المؤبر، دخل فِي الشفعة؛ لأنها تتبع فِي البيع، فأشبهت الغراس فِي الأرض، وأما ما بيع مفردا منْ الأرض، فلا شفعة فيه، سواء كَانَ مما ينقل، كالحيوان، والثياب، والسفن، والحجارة، والزرع، والثمار، أو لا ينقل، كالبناء، والغراس، إذا بيع مفردا، وبهذا قَالَ الشافعيّ، وأصحاب الرأي، ورُوي عن الحسن، والثوري، والأوزاعي، والعنبري، وقتادة، وربيعة، وإسحاق: لا شفعة فِي المنقولات. واختلف عن مالك، وعطاء، فقالا مرة: كذلك، ومرة قالا: الشفعة فِي كل شيء، حَتَّى فِي الثوب، قَالَ ابن أبي موسى: وَقَدْ روي عن أحمد رواية أخرى: أن الشفعة واجبة فيما لا ينقسم، كالحجارة، والسيف، والحيوان، وما فِي معنى ذلك، قَالَ أبو الخطاب: وعن أحمد رواية أخرى: أن الشفعة تجب فِي البناء، والغراس، وإن بيع مفردا، وهو قول مالك؛ لعموم قوله عليه السلام:"الشفعة فيما لم يقسم"، ولأن الشفعة، وُضعت لدفع الضرر، وحصولُ الضرر بالشركة فيما لا ينقسم، أبلغ منه فيما ينقسم، ولأن ابن أبي مليكة، رَوَى أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ:"الشفعة فِي كل شيء".
قَالَ: ولنا أن قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة"، لا يتناول إلا ما ذكرناه، وإنما أراد ما لا ينقسم منْ الأرض، بدليل قوله:"فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق"، ولأن هَذَا مما لا يتباقى عَلَى الدوام، فلا تجب فيه الشفعة، كصبرة الطعام، وحديثُ ابن أبي مليكة مرسل، لم يرد فِي الكتب الموثوق بها. انتهى "المغني" ٧/ ٤٣٩ - ٤٤١.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي ترجيح القول بثبوت الشفعة فِي كلّ شيء؛ فقد أخرج الطحاويّ، فِي "شرح معاني الآثار" ٤/ ١٢٥ - ١٢٦ - ، قَالَ: حدثنا ابن أبي داود، قَالَ: ثنا نعيم، قَالَ: ثنا الفضل بن موسى، عن أبي حمزة السّكّريّ، عن عبد العزيز بن رُفيع، عن ابن أبي مُليكة، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الشريك شفيع، والشفعة فِي كلّ شيء". ورجال هَذَا الإسناد رجال الصحيح.
قَالَ: حدثنا محمد بن خزيمة، قَالَ: ثنا يوسف بن عديّ، قَالَ: ثنا ابن إدريس، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر -رضي الله عنه-، قَالَ: قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة فِي كلّ شيء". انتهى. ورجاله أيضًا رجال الصحيح.