حلف منهم خمسون، قَالَ الليث: لم أسمع أحدا يقول: إنها تنزل عن ثلاثة أنفس. وَقَالَ الزهريّ، عن سعيد بن المسيب، أول منْ نقص القسامة عن خمسين معاوية، قَالَ الزهريّ: وقضى به عبد الملك، ثم رده عمر بن عبد العزيز إلى الأمر الأول. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: القول بتعيّن عدد الخمسين هو الأرجح؛ عملاً بظاهر النصّ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة التاسعة): فِي اختلاف أهل العلم فيمن يحلف فِي القسامة:
ذهبت طائفة إلى أنه لا يشترط أن يكون منْ يحلف فِي القسامة رجلاً، ولا بالغا؛ لإطلاق قوله -صلى الله عليه وسلم-: "خمسين منكم"، وبه قَالَ ربيعة، والثوري، والليث، والأوزاعي، وأحمد.
وذهب مالك إلى أنه لا مدخل للنساء فِي القسامة؛ لأن المطلوب فِي القسامة القتل، ولا يسمع منْ النِّساء.
وذهب الشافعيّ إلى أنه لا يحلف فِي القسامة إلا الوارث البالغ؛ لأنها يمين، فِي دعوى حكمية، فكانت كسائر الأيمان، ولا فرق فِي ذلك بين الرجل والمرأة. أفاده فِي "الفتح" ١٤/ ٢٣٠.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: القول بعدم اشتراط الرجل والبالغ هو الأظهر؛ عملاً بإطلاق النصّ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة العاشرة): فِي اختلاف أهل العلم هل القسامة معقولة المعنى، أم لا؟:
قَالَ فِي "الفتح" ١٤/ ٢٣٠ - ٢٣١: واختلف فِي القسامة، هل هي معقولة المعنى، فيقاس عليها، أو لا؟، والتحقيق أنها معقولة المعنى، لكنه خفيّ، ومع ذلك، فلا يقاس عليها؛ لأنها لا نظير لها فِي الأحكام، وإذا قلنا أن المبدأ فيها يمين المدَّعِي، فقد خرجت عن سنن القياس، وشرط القياس أن لا يكون معدولا به عن سنن القياس، كشهادة خزيمة. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي القول أن الاختلاف فِي كون القسامة، هل هي معقولة المعنى، أم لا؟ مما لا جدوى تحته، فلا ينبغي الاشتغال بمثله؛ لأنه منْ فضول المسائل، فليُتنبّه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: ادَّعَى بعضهم أنّ قوله -صلى الله عليه وسلم-: "تحلفون، وتستحقون": استفهام إنكار، واستعظام للجمع بين الأمرين. وتُعُقِّب بأنهم لم يبدأوا بطلب اليمين، حَتَّى يصح الإنكار عليهم، وإنما هو استفهام تقرير، وتشريع. قاله فِي "الفتح" ١٤/ ٢٣١. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.