للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وجل: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}، وقاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والزهري، وعمر بن عبد العزيز، والسُّدِّيّ، وهو الصحيح منْ قول الشافعيّ، قَالَ فِي "كتاب الجزية": ولا خيار له إذا تحاكموا إليه؛ لقوله عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}، قَالَ النحاس: وهذا منْ أصح الاحتجاجات؛ لأنه إذا كَانَ معنى قوله: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} أن تجرى عليهم أحكام المسلمين، وجب ألا يُرَدُّوا إلى أحكامهم، فإذا وجب هَذَا، فالآية منسوخة، وهو أيضا قول الكوفيين: أبي حنيفة، وزفر، وأبي يوسف، ومحمد، لا اختلاف بينهم إذا تحاكم أهل الكتاب إلى الإِمام، أنه ليس له أن يُعرِض عنهم، غير أن أبا حنيفة قَالَ: إذا جاءت المرأة والزوج، فعليه أن يحكم بينهما بالعدل، وإذا جاءت المرأة وحدها, ولم يرض الزوج لم يحكم. وَقَالَ الباقون: يحكم، فثبت أن قول أكثر العلماء، أن الآية منسوخة، مع ما ثبت فيها منْ توقيف ابن عباس، ولو لم يأت الْحَدِيث عن ابن عباس، لكان النظر يوجب أنها منسوخة؛ لأنهم قد أجمعوا، أن أهل الكتاب إذا تحاكموا إلى الإِمام، فله أن ينظر بينهم، وأنه إذا نظر بينهم مصيب عند الجماعة، وألا يعرض عنهم، فيكون عند بعض العلماء تاركا فرضا، فاعلا ما لا يحل له، ولا يسعه. قَالَ النحاس: ولمن قَالَ بأنها منسوخة منْ الكوفيين، قول آخر: منهم منْ يقول: عَلَى الإِمام إذا علم منْ أهل الكتاب حَدًّا منْ حدود الله عَزَّ وَجَلَّ، أن يقيمه، وإن لم يتحاكموا إليه، ويحتج بأن قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ} يحتمل أمرين: [أحدهما]: وأن احكم بينهم إذا تحاكموا إليك، والآخر وأن احكم بينهم، وإن لم يتحاكموا إليك، إذا علمت ذلك منهم، قالوا: فوجدنا فِي كتاب الله تعالى، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ما يوجب إقامة الحق عليهم، وإن لم يتحاكموا إلينا، فأما ما فِي كتاب الله، فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} الآية [النِّساء: ١٣٥]، وأما ما فِي السنة، فحديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: مُرَّ عَلَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيهودي، قد جُلِد، وحُمِّمَ، فَقَالَ: "أهكذا حد الزاني عندكم؟ "، فقالوا: نعم، فدعا رجلا منْ علمائهم، فَقَالَ: "سألتك بالله، أهكذا حد الزاني فيكم؟ "، فَقَالَ: لا، الْحَدِيث.

قَالَ النحاس: فاحتجوا بأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حكم بينهم، ولم يتحاكموا إليه فِي هَذَا الْحَدِيث.

[فإن قَالَ قائل]: ففي حديث مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن اليهود أتوا النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. [قيل لهم]: ليس فِي حديث مالك أيضا، أن الذين زنيا رضيا بالحكم، وَقَدْ رجمهما النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.