كما سيأتي بيانه. (ومنها): أنه مسلسل بالبصريين، غير شيخه، فمروزي، ثم بغداديّ. (ومنها): أن فيه رواية تابعيّ عن تابعيّ. والله تعالى أعلم.
شرح الْحَدِيث
(عَنْ سَمُرَةَ) بن جندب -رضي الله عنه- (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ) قَالَ السنديّ: اتّفق الأئمة عَلَى أن السيّد لا يُقتل بعبده، وقالوا: الْحَدِيث وارد عَلَى الزجر، والردع؛ ليرتدعوا, ولا يُقدموا عَلَى ذلك. وقيل: ورد فِي عبد أعتقه سيّده، فسُمّي عبده باعتبار ما كَانَ. وقيل: منسوخٌ. قَالَ: حاصل الوجه الأول أن المراد بقوله: "قتلناه"، وأمثاله: عاقبناه، وجازيناه عَلَى سوء صنيعه، إلا أنه عبّر بلفظ القتل، ونحوه للمشاكلة، كما فِي قوله تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} الآية، وفائدة هَذَا التعبير الزجر، والردع، وليس المراد أنه تكلّم بهذه الكلمة لمجرّد الزجر، منْ غير أن يُريد به معنًى، أو أنه أراد حقيقته؛ لقصد الزجر، فإن الأول يقتضي أن تكون هذه الكلمة مهملة، والثاني يؤدّي إلى الكذب؛ لمصلحة الزجر، وكلُّ ذلك لا يجوز، وكذا كلُّ ما جاء فِي كلامهم، منْ نحو قولهم: هَذَا واردٌ عَلَى سبيل التغليظ والتشديد، فمرادهم أن اللفظ يُحمل عَلَى معنًى مجازيّ، مناسبِ للمقام. قَالَ: وهذه الفائدة تنفعك فِي مواضع، فاحفظها.
وأما قولهم: ورد فِي عبد أعتقه، فمبنيّ عَلَى أن "منْ" موصولة، لا شرطيّةٌ، والكلام إخبارٌ عن واقعة بعينها. والله تعالى أعلم. انتهى "شرح السنديّ" ٧/ ٢٠ - ٢١.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن هذه التأويلات غير صحيحة؛ لكونها منافية لأسلوب النصّ، فلو كَانَ الْحَدِيث صحيحًا لما جاز تأويله بهذه التأويلات الباردة، بل يكون عَلَى ظاهره منْ أن السيّد يُقتل إذا قتل عبده، كما هو مذهب بعض السلف، كإبراهيم النخعيّ، عَلَى ما يأتي قريبًا، وأما قولهم: ورد فِي عبد الخ فأبعد التأويلات المذكورة، فتبصّر، ولا تتحيّر. والله تعالى أعلم.
(وَمَنْ جَدَعَهُ) بالتخفيف: أي قطع أنفه، أو نحوه، يقال: جدعتُ الأنف جَدْعًا، منْ باب نفع: قطعته، وكذا الأذن، واليد، والشفة، وجَدِعَت الشاة جَدَعًا، منْ باب تعِبَ: قُطعت أذنها منْ أصلها، فهي جدعاء، وجُدِع الرجلُ: قُطع أنفه وأذنه، فهو أجدع، والأنثى جَدْعَاءُ. قاله الفيّوميّ. وَقَالَ فِي "اللسان": وقيل: لا يقال: جَدِعَ، ولكن جُدِعَ منْ المجدوع (١). انتهى. وَقَالَ السنديّ: والتشديدُ للتكثير، لا يناسب المقام.
(١) قَالَ الزمخشريّ: ولا يقال: جَدِعَ بالبناء للفاعل -ولكن جُدِعَ بالبناء للمفعول- كما لا يقال: فِي الأقطع: قَطِعَ، ولكن قُطع. انتهى منْ هامش "المصباح المنير" ١/ ٩٣.