للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الثالثة): فِي اختلاف أهل العلم فِي قتل السيّد بعبده:

قَالَ الإِمام الترمذيّ رحمه الله تعالى بعد أن أخرج الْحَدِيث: قد ذهب بعض أهل العلم منْ التابعين، منهم إبراهيم النخعيّ إلى هَذَا، وَقَالَ بعض أهل العلم، منهم الحسن البصريّ، وعطاء بن أبي رباح: ليس بين الحرّ والعبد قصاص فِي النفس، ولا فِي دون النفس، وهو قول أحمد، وإسحاق. وَقَالَ بعضهم: إذا قتل عبده لا يُقل به، وإذا قتل عبد غيره قُتل به، وهو قول سفيان الثوريّ. انتهى.

وَقَالَ فِي "المغني": ما حاصله: ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يقتل السيد بعبده، وحُكي عن النخعي، وداود: أنه يقتل به؛ لما روى قتادة، عن الحسن، عن سمرة -رضي الله عنه- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "منْ قتل عبده قتلناه، ومن جدعه جدعناه"، رواه سعيد، والإمام أحمد، والترمذي، وَقَالَ: حديث حسن غريب، مع العمومات.

واحتجّ الأولون بما رُوي عن عمر رضي الله عنه، أنه قَالَ: لو لم أسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: "لا يقاد المملوك منْ مولاه، والولد منْ والده"، لأقدته منك، رواه النسائيّ (١). وعن علي -رضي الله عنه- أن رجلا قتل عبده، فجلده النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مائة جلدة، ونفاه عاما، ومحا اسمه منْ المسلمين، رواه سعيد، والخلال، وَقَالَ أحمد: ليس بشيء منْ قبل إسحاق بن أبي فروة، ورواه عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن أبي بكر وعمر، أنهما قالا: "منْ قتل عبده جلد مائة، وحرم سهمه مع المسلمين".

فأما حديث سمرة، فلم يثبت، قَالَ أحمد: الحسن لم يسمع منْ سمرة، إنما هي صحيفة، وَقَالَ عنه أحمد: إنما سمع الحسن منْ سمرة ثلاثة أحاديث، ليس هَذَا منها، ولأن الحسن أفتى بخلافه، فإنه يقول لا يقتل الحر بالعبد، وَقَالَ: إذا قتل السيد عبده يضرب، ومخالفته له تدل عَلَى ضعفه. قاله فِي "المغني" ١١/ ٤٧٤ - ٤٧٥.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن قول منْ قَالَ بثبوت القصاص إذا قتل السيّد عبده هو الأرجح؛ لعموم الأدلّة الموجبة له، وأما الأحاديث التي احتج بها الموجبون، والنافون، فإنها ضعاف، فحديث سمرة قد عرفت آنفًا ضعفه، وحديث عمر -رضي الله عنه- تفرّد به عمر بن عيسى، كما قَالَ البيهقي، وذكر عن البخاريّ أنه قَالَ: منكر الْحَدِيث. وحديث عليّ -رضي الله عنه- فِي سنده جابر الجعفيّ، وهو ضعيف.

والحاصل أن هذه الأحاديث لا تصلح للاحتجاج بها، وإنما الحجة هي الأدلة العامة التي توجب القصاص مطلقًا بشروطه، فإخراج السيّد عنها يحتاج إلى دليل قويّ، ولم


(١) يحتاج إلى التأكّد منْ عزوه إلى النسائيّ، والله تعالى أعلم.