(أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ فُلَانَةَ؟) يعني أخته الرُّبيّع التي كسرت أخت الجارية، قضى عليها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالقصاص (لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقَّ، لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّةُ فُلَانَةَ، قَالَ) أنس -رضي الله عنه- (وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ سَأَلُوا أَهْلَهَا) أي أهل الجارية المجنيّ عليها (الْعَفْوَ) أي أن يسامحوها عن القصاص (وَالْأَرْشَ) أي وعرضوا عليهم قبول الأرش، وهو بفتح الهمزة، وسكون الراء: دية الجراحة، جمعه أُرُوشٌ، مثلُ فلس وفلوس، وأصله الفساد، يقال: أَرَّشْتُ بين القوم تأريشًا: إذا أفسدتَ، ثم استُعمل فِي نُقصان الأعيان؛ لأنه فساد فيها، ويقال: أصله هَرَّشَ. قاله الفيّوميّ.
وَقَالَ فِي "النهاية" ١/ ٣٩ - : قد تكرّر فِي الْحَدِيث ذكرُ الأرش المشروع فِي الحكومات، وهو الذي يأخذه المشتري منْ البائع، إذا اطّلع عَلَى عيب فِي المبيع، وأُرُوش الجنايات والجراحات منْ ذلك؛ لأنها جابرةٌ لها عمّا حصل فيها منْ النقص، وسُمّي أَرْشًا؛ لأنه منْ أسباب النزاع، يقال: أَرّشتُ بين القوم: إذا أوقعت بينهم. انتهى.
(فَلَمَّا حَلَفَ أَخُوهَا) أنس بن النضر -رضي الله عنه- (وَهُوَ عَمُّ أَنَس) أي بن مالك -رضي الله عنه- (وَهُوَ الشَّهِيدُ يَوْمَ أُحُدٍ) كما سبق آنفًا قصّة استشهاده (رَضِيَ الْقَوْمُ بِالْعَفْوِ) أي مع أخذ الأرش.
ووقع فِي رواية "الفزاري فرضي القوم، فقبلوا الارش"، وفي رواية معتمر "فرضوا بأرش أخذوه". قَالَ فِي "الفتح": وفي رواية مروان بن معاوية، عن حميد، عند الإسماعيلي:"فرضي أهل المرأة بأرش أخذوه، فعفوا"، فعرف أن قوله:"فعفوا": أي عَلَى الدية.
(فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ) وفي رواية معتمر: "فعجب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وَقَالَ: "إن منْ عباد الله" (مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ) أي لأبر قسمه. ووقع فِي رواية خالد الطحان، عن حميد، عن أنس، فِي هَذَا الْحَدِيث، عند بن أبي عاصم: "كم منْ رجل، لو أقسم عَلَى الله لأبره".
ووجه تعجبه -صلى الله عليه وسلم-: أن أنس بن النضر، أقسم عَلَى نفي فعل غيره، مع إصرار ذلك الغير عَلَى إيقاع ذلك الفعل، فكان قضية ذلك فِي العادة، أن يحنث فِي يمينه, فألهم الله الغير العفو، فَبَرَّ قسم أنس، وأشار بقوله: "إن منْ عباد الله" إلى أن هَذَا الاتفاق، إنما وقع إكراما منْ الله لأنس؛ ليبر يمينه، وأنه منْ جملة عباد الله الذين يجيب دعاءهم، ويعطيهم أَرَبُهم.
وَقَدْ استُشكِل إنكار أنس بن النضر كسر سن الربيّع، مع سماعه منْ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الأمر بالقصاص، ثم قَالَ: "أتكسر سن الربيّع"، ثم أقسم أنها لا تكسر.