(فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا تَأْمُرُنِي؟) أي أيّ شيء تأمرني أن أفعله فِي هَذَا الرجل، وهو استفهام إنكار (تَأْمُرُنِي أَنْ آمُرَهُ أَنْ يَدَعَ يَدَهُ) أي يتركها (فِي فِيكَ) أي فمك (تَقْضَمُهَا) بفتح الضّاد، وتكسر، قَالَ الفيّومي: قَضَمت الدابّةُ الشعيرَ تقضَمُهُ، منْ باب تَعِب: كسرته بأطراف الأسنان، وقَضَمَت قَضْمًا، منْ باب ضرب لغةٌ، ومنه يقال عَلَى الاستعارة: قَضَمتُ يده: إذا عضضتها. انتهى.
وَقَالَ فِي "الفتح": "يقضمها" -بسكون القاف، وفتح الضاد المعجمة، عَلَى الأفصح، منْ القضم، وهو الأكل بأطراف الأسنان، والْخَضْم -بالخاء المعجمة، بدل القاف-: الأكل بأقصاها، وبأدنى الأضراس، ويطلق عَلَى الدَّقّ، والكسر، ولا يكون إلا فِي الشيء الصّلب، حكاه صاحب "الراعي" فِي اللغة. انتهى.
وفي "اللسان": القضم: الأكل بأطراف الأسنان، والأضراس، وقيل: هو أكل الشيء اليابس، والخَضْمُ: الأكل بجميع الفم، وقيل: هو أكل الشيء الرطب، والقضم دون ذلك، وقولهم: يُبْلغ الخَضْمُ بالقضم: أي أن الشَّبْعَة قد تُبْلغ بالأكل بأطراف الفم، ومعناه: أن الغاية البعيدة قد تُدرَك بالرفق، قَالَ الشاعر [منْ الطويل]:
(كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ) وفي رواية سلمة الآتية: "كعضيض الفحل": أي الذكر منْ الإبل، ويطلق عَلَى غيره، منْ ذكور الدواب، وفيه الإشارة إلى علّة إهدار ثنيّته.
[تنبيه]: حَكَى الكرماني رحمه الله تعالى أنه رأى مَن صَحَّف قوله: "كما يقضم الفحل"، إلى "الفجل" بالجيم بدل الحاء المهملة، وحمله عَلَى البقل المعروف، وهو تصحيف قبيح. ذكره فِي "الفتح" ١٤/ ٢١٢.
(إِنْ شِئْتَ فَادْفَعْ إِلَيْهِ يَدَكَ، حَتَّى يَقْضَمَهَا، ثُمَّ انْتَزِعْهَا إِنْ شِئْتَ) زاد فِي رواية زاراة الآتية: "لا دية له"، فِي لفظ: "لا دية لك"، وفي رواية: "فأبطلها"، وفي لفظ: "فأطلّها": أي أبطلها، وفي لفظ: "فأهدرها"، وفي رواية: "فأبطله، وَقَالَ أردت أن تأكل لحمه"، وفي حديث سلمة: "ثم يأتي يطلب العقل، لا عقل لها، فابطلها". وبهذه الزيادات يتبيّن أن أمره -صلى الله عليه وسلم- له بدفع يده إليه؛ ليقضمها، ثم انتزاعها منه ليس أمرًا بثبوت القصاص، وإنما هو إنكارٌ منه -صلى الله عليه وسلم- لطلبه ذلك، مع أنه المعتدي.
قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى- عند قوله: "ادفع يدك حَتَّى يعضها، ثم انتزعها": ما نصّه: ليس المراد بهذا أمره بدفع يده ليعضها، وإنما معناه الإنكار عليه: أي أنك لا تدع يدك فِي فيه يعضها، فكيف تنكر عليه أن ينتزع يده منْ فيك، وتطالبه بما جنى فِي جذبه لذلك. انتهى "شرح مسلم" ١١/ ١٦٣.