(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان حكم القصاص فِي العضّة، وَقَدْ تقدّم وجه استدلال المصنّف بهذا الْحَدِيث عَلَى ذلك، أول الباب.
(ومنها): التحذير منْ الغضب، وأن منْ وقع له، ينبغي له أن يَكْظِمه ما استطاع؛ لأنه أَدَّى إلى سقوط ثنية الغضبان؛ لأن يعلى غضب منْ أجيره، فضربه، فدافع الأجير عن نفسه، فعضه يعلى، فنزع يده، فسقطت ثنية العاضّ، ولولا الاسترسال مع الغضب، لسلم منْ ذلك. (ومنها): جواز استئجار الحر للخدمة، وكفاية مؤنة العمل فِي الغزو، لا ليقاتل عنه، كما تقدم تقريره فِي الجهاد. (ومنها): رفع الجناية إلى الحاكم، منْ أجل الفصل، وأن المرء لا يقتص لنفسه، وأن المعتدي بالجناية يَسقُط ما ثبت له قبلها منْ جناية، إذا ترتبت الثانية عَلَى الأولى. (ومنها): جواز تشبيه فعل الآدمي بفعل البهيمة، إذا وقع فِي مقام التنفير عن مثل ذلك الفعل. (ومنها): جواز دفع الصائل، وأنه إذا لم يمكن الخلاص منه، إلا بجناية عَلَى نفسه، أو عَلَى بعض أعضائه، ففعل به ذلك، كَانَ هدرا, وللعلماء فِي ذلك اختلاف، وتفصيل معروف، سيأتي بعضه إن شاء الله تعالى. (ومنها): أن منْ وقع له أمرٌ يَأنفُه، أو يحتشم منْ نسبته إليه، إذا حكاه كنى عن نفسه، بأن يقول: فعل رجل، أو إنسان، أو نحو ذلك كذا وكذا، كما وقع ليعلى -رضي الله عنه- فِي هذه القصة، وكما وقع لعائشة رضي الله عنها، حيث قالت:"قَبَّل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، امرأةً منْ نسائه، فَقَالَ لها عروة: هل هي إلا أنت، فتبسمت". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فيمن عضّ يد شخصٍ، فانتزع المعضوض يده منْ فِي العاضّ، فقلع سنّا منْ أسنان العاضّ:
ذهبت طائفة إلى أنه لا ضمان عليه، رُوي ذلك عن أبي بكر الصّدّيق، وشُريح، وهو قول الكوفيين، والشافعيّ، قالوا: ولو جرحه المعضوض فِي موضع آخر، فعليه ضمانه.
وذهب ابن أبي ليلى، ومالكٌ إلى أنه ضامن لدية يده. وَقَالَ عثمان الْبَتِّيُّ: إن كَانَ انتزعها منْ ألم، ووجع أصابه، فلا شيء عليه، وإن كَانَ انتزعها منْ غير ألم، فعليه الدية.
واحتجّ الكوفيّون، والشافعيّ بحديث الباب، وقالوا: ألا ترى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أيدع يده فِي فيه، فيعضّه كما يعضّ الفحل؟، لا دية له"، وهذا لا يجوز خلافه؛ لصحّة مجيئه،