يُقِصُّ مِنْ نَفْسِهِ) بضمّ حرف المضارعة، منْ الإقصاص، يقال: أقصّ السلطان فلانًا إقصاصًا: قتله قَوَدًا، وأقصّه منْ فلان: جرحه مثل جرحه، واستقصّه: سأله أن يُقصّه. قاله الفيّوميّ.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رواية المصنّف هذه مختصرة منْ حديث طويل، ساقه بطوله الإِمام أحمد فِي "مسنده":
٢٨٨ - حدثنا إسماعيل، أنبأنا الجريري، سعيد عن أبي نضرة، عن أبي فراس، قَالَ: خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فَقَالَ: يا أيها النَّاس، ألا إنا إنما كنا نعرفكم، إذ بين ظهرينا النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وإذ ينزل الوحي، وإذ ينبئنا الله منْ أخباركم، ألا وإن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قد انطلق، وَقَدْ انقطع الوحي، وإنما نعرفكم بما نقول لكم: مَنْ أظهر منكم خيرا، ظننا به خيرا، وأحببناه عليه، ومن أظهر منكم لنا شرا، ظننا به شرا، وأبغضناه عليه، سرائركم بينكم وبين ربكم، ألا إنه قد أَتَى عليّ حينٌ، وأنا أحسب أن منْ قرأ القرآن يريد الله، وما عنده، فقد خُيِّل إليَّ بآخرة، ألا إن رجالا قد قرءوه، يريدون به ما عند النَّاس، فأَرِيدوا الله بقراءتكم، وأَرِيدوه بأعمالكم، ألا إني والله ما أُرسل عمالي إليكم؛ ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم؛ ليُعَلِّموكم دينكم، وسنتكم، فمن فُعِل به شيء سوى ذلك، فليرفعه إليّ، فوالذي نفسي بيده إذن لأُقِصَّنَّه منه، فوَثَبَ عمرو بن العاص، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، أَوَرَأَيتَ إن كَانَ رجل منْ المسلمين عَلَى رعيّةٍ، فأَدَّب بعض رعيته أئنك لمقتصه منه؟ قَالَ: إي والذي نفس عمر بيده، إذن لأقصنه منه، وَقَدْ رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُقِصّ منْ نفسه، ألا لا تضربوا المسلمين، فتُذلّوهم، ولا تُجَمِّرُوهم، فتفتنوهم (١)، ولا تمنعوهم حقوقهم، فتكفروهم، ولا تنزلوهم الغياض، فتضيعوهم. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث عمر -رضي الله عنه- هَذَا ضعيفٌ؛ لجهالة أبي فِراس، كما سبق آنفًا.
(١) قَالَ ابن الأثير رحمه الله تعالى: وفي حديث عمر رضي الله تعالى عنه: "لا تجمِّرُوا الجيش، فتفتنوهم": تجمير الجيش: جمعُهُم فِي الثغور، وحبسهم عن العود إلى أهلهم. انتهى "النهاية" ١/ ٢٩٢.