للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القصاص غير واجب؟.

[قيل له]: معناه إذا أردتم، فأَعلَم أن القصاص هو الغاية عند التشاح. انتهى "الجامع لأحكام القرآن" ٢/ ٢٤٥ - ٢٤٦. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة) فِي اختلاف أهل العلم فِي أخذ الدية منْ قاتل العمد:

ذهبت طائفة إلى أن ولي المقتول بالخيار، إن شاء اقتصّ، وإن شاء أخذ الدية، وإن لم يَرْض القاتل، يُروي هَذَا عن سعيد بن المسيب، وعطاء، والحسن، ورواه أشهب عن مالك، وبه قَالَ الليث، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وحجتهم ما أخرجه أبو داود بإسناد صحيح، منْ طريق سعيد بن أبي سعيد المقبريّ، قَالَ: سمعت أبا شريح الكعبي، يقول: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا إنكم يا معشر خزاعة، قتلتم هَذَا القتيل منْ هذيل، وإني عاقله، فمن قُتل له بعد مقالتي هذه قتيل، فأهله بين خيرتين، أن يأخذوا العقل، أو يقتلوا"، وما كَانَ فِي معناه، وهو نص فِي موضع الخلاف، وأيضا منْ طريق النظر، فإنما لزمته الدية بغير رضاه؛ لأن فرضا عليه إحياء نفسه، وَقَدْ قَالَ الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}، وقوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ}: أي ترك له دمه فِي أحد التأويلات، ورضي منه بالدية، فاتباع بالمعروف: أي فعلى صاحب الدم اتباع بالمعروف فِي المطالبة بالدين، وعلى القاتل أداء إليه بإحسان: أي منْ غير مماطلة، وتأخير عن الوقت، {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}: أي أن منْ كَانَ قبلنا لم يَفرض الله عليهم غير النفس بالنفس، فتفضل الله عَلَى هذه الأمة بالدية، إذا رضي بها ولي الدم، عَلَى ما تقدّم بيانه.

وذهب آخرون إلى أنه ليس لولي المقتول، إلا القصاص، ولا يأخذ الدية، إلا إذا رضي القاتل، رواه ابن القاسم عن مالك، وهو المشهور عنه، وبه قَالَ الثوري، والكوفيون، واحتجوا بحديث أنس، فِي قصة الرُّبَيّع حين كَسَرت ثنية المرأة، رواه الأئمة، قالوا: فلما حَكَم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقصاص، وَقَالَ: "القصاص كتاب الله، القصاص كتاب الله"، ولم يخير المجني عليه بين القصاص والدية، ثبت بذلك أن الذي يجب بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فِي العمد هو القصاص. قَالَ القرطبيّ: والأول أصح لحديث أبي شريح المذكور.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي صححه القرطبيّ رحمه الله تعالى منْ أن الخيرة لوليّ المقتول هو الحقّ؛ لحديث أبي شريح -رضي الله عنه- المذكور، فإنه نصّ صريح فِي ذلك. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه]: رَوى الربيع، عن الشافعيّ، قَالَ: أخبرني أبو حنيفة بن سماك بن الفضل