فالأَوْلَى منْ المقتول، وإن كَانَ امرأةً، فإذا عفت، وهي أولى بالمقتول، فقد حجز عفوها بينهم، ولا يجوز للرجال الأباعد بعد ذلك الطلب بدمه، وَقَدْ عفا عنه الأدنى منهم، فقد اتّضح بحمد الله- وجهه، وأسفر صبح معناه.
وعلى هَذَا، فيكون "الأولى، فالأولى" فاعل فعلٍ دلّ عليه المذكور: أي يَحجُز بينهم الأولى، فالأولى، وإن كانت امرأة، وترجمة أبي داود تُشعر بهذا. انتهى "تهذيب السنن" ٦/ ٣٤٣ - ٣٤٤.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: ترجمة أبي داود، هي نفس ترجمة المصنّف رحمهما الله تعالى، ونصّها: "باب عفو النِّساء عن الدم". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث عائشة رضي الله تعالى عنها هَذَا ضعيف؛ لجهالة حِصْن، كما سبق آنفًا فِي ترجمته.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٣٠/ ٤٧٨٩ - وفي "الكبرى" ٢٩/ ٦٩٩٠. وأخرجه (د) فِي "الديات" ٤٥٣٨.
(المسألة الثالثة): فِي اختلاف أهل العلم فِي جواز عفو النِّساء عن القصاص:
قَالَ الإِمام الخطّابيّ رحمه الله تعالى: قد اختلف النَّاس فِي عفو النِّساء، فَقَالَ أكثر أهل العلم: عفو النِّساء عن الدم جائز، كعفو الرجال. وَقَالَ الأوزاعيّ، وابن شُبْرُمة: ليس للنساء عفوٌ. وعن الحسن، وإبراهيم النخعيّ: ليس للزوج، ولا للمرأة عفو فِي الدم. انتهى "معالم السنن" ٦/ ٣٤٤.
وَقَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: أجمع أهل العلم عَلَى إجازة العفو عن القصاص، وأنه أفضل، والأصل فيه الكتاب، والسنة، أما الكتاب: فقول الله تعالى، فِي سياق قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} -: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ١٧٨]، وَقَالَ تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} - إلى قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: ٤٥].
قيل فِي تفسيره: فهو كفارة للجاني، يعفو صاحب الحق عنه. وقيل: فهو كفارة للعافي بصدقته.
وأما السنة: فإن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، قَالَ: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رُفع إليه شيء