الرابع: احتج به أبو حنيفة، والشافعي رحمهما الله على وجوب الوضوء من المذي مطلقا، سواء كان عن ملاعبة أو استنكاح، أو غيره وقال أصحاب مالك: المراد به ما كان عن ملاعبة، واستدل عياض وغيره لذلك بما وقع في الموطأ في الحديث أنه قال في السؤال عن الرجل إذا دنى من أهله، وأمذى ماذا عليه؟ قال: فجواب النبي - صلى الله عليه وسلم - في مثله في المعتاد بخلاف المستنكح، والذي به علة فإنه لا وضوء عليه، قالوا: وإنما يتوضأ مما جرت العادة به أن يخرج من لذة، وقال القاضي عبد الوهاب مؤيدا لمذهبهم: السؤال صدر عن المذي الخارج على وجه اللذة، لقوله "إذا دنى من أهله" وأيضا مما يدل عليه استحياء علي رضي الله عنه؛ لأنه لو كان علي مَرضَ أو سَلسَ لم يستح من ذلك.
قال العيني: فيما قالوا نظر؛ لأن سؤال المقداد النبي - صلى الله عليه وسلم - أولا مطلق غير مقيد، فإنه جاء في الصحيح فسأله عن المذي يخرج من الإنسان كيف يفعل به؟ قال:"اغسل ذكرك، وتوضأ" فالحكم متعلق بسؤال المقداد الذي وقع الجواب عنه، فصار أمر علي رضي الله عنه أجنبيا عن الحكم،
وقول القاضي عبد الوهاب حكاية قول علي للمقداد، وهو حاضر، وأما سؤال المقداد فكان عاما، وهو من فقه المقداد، فوقع السؤال من المقداد عاما، والجواب من النبي - صلى الله عليه وسلم - مترتب عليه، والتمسك بقول المقداد فسألته عن ذلك لا يعارض النص بصريح سؤاله، والأول محتمل للتأويل في تعيين ما يرجع الإشارة إليه، وأما ثانيا فإنه قد جاء في سنن أبي داود ما يدل على خلافه وهو من علي رضي الله عنه قال:"كنت رجلا مذاء، فجعلت أغتسل، حتى تشقق ظهري" فهذا يدل على كثرة وقوعه منه ومعاودته، وجاء أيضا أن عليا أمر عمارا أن يسال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال:"يغسل ذكره ويتوضأ". وفي بعضها:"كنت رجلا مذاء فأمرت عمار بن ياسر يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل ابنته عندي". وفي بعض