(عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ) شعيب بن محمد (عَنْ جَدِّهِ) عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالىَ عنهما (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَضَى) أي حكم (فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ) بفتح المهملة، وسكون الواو تأنيث الأعور، يقال: عَوِرت العين عَوَرًا، منْ باب تعب: نقصت، أو غارت، فالرجل أعور، والأنثى عوراء. قاله الفيّوميّ (السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا) بتشديد الدّال: أي الباقية الثابتة فِي مكانها: أي لم تخرج منْ الحَدَقَة، فبقيت فِي الظاهر عَلَى ما كانت، ولم يذهب جمال الوجه، لكن ذهب إبصارها. وَقَالَ التوربشتيّ: أراد بها العين التي لم تخرُج منْ الحدقة، ولم يخل موضعها، فبقيت فِي رأي العين عَلَى ما كانت، لم يشوّه خلقتها، ولم يذهب بها جمال الوجه. وَقَالَ المجد فِي "القاموس": والسُّدُدُ -بضمّتين-: العيون الْمُفَتَّحَةُ، لا تُبصر بَصَرًا قويًّا، وهي عينٌ سادّة، أو التي ابيَضَّت، ولا يُبْصَرُ بها، ولم تَنْفَقِىءْ بَعْدُ. انتهى (إِذَا طُمِسَتْ) بالبناء للمفعول: أي انمحت (بِثُلُثِ دِيَتِهَا) متعلّق بـ"قضى" أي قضى بثلث دية العين الصحيحة إذا طُمست.
وإنما وجب فيها ثلث دية العين الصحيحة؛ لأنها كانت بعد ذهاب بصرها باقية الجمال، فإذا قُلِعت، أو فُقِئت ذهب ذلك. قَالَ ابن الملك: عمل بظاهر الْحَدِيث إسحاق، وأوجب الثلث فِي العين المذكورة، وعامة العلماء أوجبوا حكومة العدل؛ لأن المنفعة لم تفت بكمالها، فصارت كالسنّ، إذا سْوَدّت بالضرب، وحملوا الْحَدِيث عَلَى معنى الحكومة، إذ الحكومة بلغت ثلث الدية.
وفي شرح الطيبي: وكان ذلك بطريق الحكومة، وإلا فاللازم فِي ذهاب ضوئهما الدية، وفي ذهاب ضوء إحداهما نصف الدية عند الفقهاء.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: سيأتي فِي المسألة الثالثة ترجيح ما ذهب إليه إسحاق رحمه الله تعالى؛ لظاهر حديث الباب. والله تعالى أعلم.
وَقَالَ فِي "شرح السنة": معنى الحكومة: أن يقال: لو كَانَ هَذَا المجروح عبدا، كم كَانَ ينتقص بهذه الجراحة منْ قيمته؟، فيجب منْ ديته بذلك القدر، وحكومةُ كل عضو لا تبلغ فيه المقدرةَ، حَتَّى لو جُرح رأسه جراحة دون الموضحة، لا تبلغ حكومتها أرشَ الموضحة، وإن قَبُحَ شَيْنُها.
وَقَالَ الشمني؛ حكومة العدل، هي أن يُقَوَّم المجني عليه عبدا بلا هَذَا الأثر، ثم يُقَوَّم عبدا مع هَذَا الأثر، فقَدْرُ التفاوت بين القيمتين، منْ الدية، هو هي، أي ذلك القدر هي حكومة العدل، وهذا تفسير الحكومة عند الطحاوي، وبه أخذ الحلواني، وهو قول