للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: واختلفت الرواية عن أحمد فِي اليد الشلّاء، والعين العوراء، والسن السوداء: فعنه فِي كل واحدة ثلث ديتها، ورُوي هَذَا عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ومجاهد، وبه قَالَ إسحاق، وعن زيد بن ثابت: فِي العين القائمة مائة دينار.

[والرواية الثالثة]: عن أحمد فِي كل واحدة حكومة، وهذا قول مسروق، والزهري، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، والنعمان، وابن المنذر؛ لأنه لا يمكن إيجاب دية كاملة؛ لكونها قد ذهبت منفعتها، ولا مُقَدَّر فيها، فتجب الحكومة فيها، كاليد الزائدة.

قَالَ: ولنا ما رَوَى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قَالَ: قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فِي العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية، وفي اليد الشلاء إذا قطعت ثلث ديتها، وفي السن السوداء إذا قلعت ثلث ديتها، رواه النسائيّ، وأخرجه أبو داود فِي العين وحدها مختصرا، وقول عمر رضي الله عنه، رواه قتادة، عن خِلاس، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عباس رحمه الله تعالى: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قضى فِي العين القائمة إذا خُسفت، واليد الشلاء إذا قُطعت، والسن السوداء إذا كسرت، ثلثُ دية كل واحدة منهن. ولأنها كاملة الصورة، فكان فيها مقدر، كالصحيحة، وقولهم: لا يمكن إيجاب مقدر ممنوع، فإنا قد ذكرنا التقدير، وبيناه.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن المذهب الأول هو الأرجح؛ لظاهر حديث الباب، وهو حديث حسنٌ، وأثر عمر -رضي الله عنه-، المذكور، وهو صحيح، أخرجه البيهقيّ ٨/ ٩٨ منْ طريق سعيد بن منصور، ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن عبد الله بن بُريدة، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عبّاس، عن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنهم-، أنه قَالَ: "فِي العين القائمة، والسنّ السوداء، واليد الشلّاء، ثلث ديتها". والله تعالى أعلم.

قَالَ الموفّق: قَالَ القاضي: قول أحمد رحمه الله: فِي السن السوداء ثلث ديتها، محمول عَلَى سن ذهبت منفعتها، بحيث لا يمكنه أن يَعَضَّ بها الأشياء، أو كانت تَفَتَّتَتْ، فأما إن كانت منفعتها باقية، ولم يذهب منها إلا لونها، ففيها كمال ديتها، سواء قَلَّت منفعتها، بأن عجز عن عَضِّ الأشياء الصَّلْبة بها، أو لم يعجز؛ لأنها باقية المنفعة، فكملت ديتها كسائر الأعضاء، وليس عَلَى مَن سَوَّدها إلا حكومة، وهذا مذهب الشافعيّ، والصحيح منْ مذهب أحمد ما يوافق ظاهر كلامه؛ لظاهر الأخبار، وقضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقول أكثر أهل العلم، ولأنه ذهب جمالها بتسويدها، فكملت ديتها عَلَى منْ سَوَّدها، كما لو سَوّد وجهه، ولم يَجِب عَلَى مُتلفها أكثر منْ ثلث ديتها، كاليد الشلاء، وكالسن إذا كانت بيضاء، فانقلعت، ونبت مكانها سوداء لمرض