للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

منْ الصحابة أبو مسعود البدري -رضي الله عنه-، ومن التابعين النخعي، وعكرمة، قَالَ ابن المنذر: ولم يكرهوه منْ الجهة المذكورة، بل لكون الأخذ فِي مثل ذلك، إنما يحصل لمن فيه فضل قوة، أو قلة حياء. واحتج الحنفية، ومن وافقهم، بأنه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ فِي الْحَدِيث الذي أخرجه أبو داود، منْ حديث عبد الله بن قرظ: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ فِي البدن التي نحرها: "منْ شاء اقتطع"، واحتجوا أيضا بحديث معاذ -رضي الله عنه-، رفعه: إنما نهيتكم عن نُهْبَى العساكر، فأما العرسان (١) فلا … " الْحَدِيث، وهو حديث ضعيف، فِي سنده ضعف، وانقطاع.

قَالَ ابن المنذر: هي حجة قوية، فِي جواز أخذ ما يُنثَر فِي العرس ونحوه؛ لأن المبيح لهم قد علم اختلاف حالهم فِي الأخذ، كما علم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ذلك، وأذن فيه فِي أخذ البدن التي نحرها، وليس فيها معنى، إلا وهو موجود فِي النثار.

قَالَ الحافظ: بل فيها معنى، ليس فِي غيرها، بالنسبة إلى المأذون لهم، فإنهم كانوا الغاية فِي الورع، والإنصاف، وليس غيرهم فِي ذلك مثلهم. انتهى. "فتح" ١٤/ ٩.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي تعقب به الحافظ كلام الإمام ابن المنذر رحمهما الله تعالى فيه نظر؛ لأنه لو كَانَ المعنى الذي ذكره هو المبيح، لبيّن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عليه، وَقَالَ: هَذَا لا يجوز إلا لمن كَانَ عَلَى صفتكم، فلما أطلق، ولم يقيّده علمنا أنه مباح، وَقَدْ مال الإمام البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه"، إلى جوازه بإذن المالك، حيث قَالَ فِي "كتاب المظالم": "باب النُّهْبَى بغير إذن صاحبه"، ثم أورد أحاديث النهي عن النهبى، فقد أفاد بتقييده الترجمة أن النهي إذا لم يأذن المالك، وإلا جاز.

والحاصل أن القول بجواز النهبى فِي العرس ونحوه هو الأرجح؛ لما ذُكر. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي ذكر أقوال أهل العلم فِي تأويل هَذَا الْحَدِيث:

لقد أجاد الحافظ رحمه الله تعالى فِي تلخيص أقوالهم، وتهذيبها فِي "الفتح"، فَقَالَ: قَالَ الطبري: اختلف الرواة فِي أداء لفظ هَذَا الْحَدِيث، وأنكر بعضهم أن يكون -صلى الله عليه وسلم- قاله، ثم ذكر الاختلاف فِي تأويله، ومن أقوى ما يُحمَل عَلَى صرفه عن ظاهره، إيجاب الحد فِي الزنا، عَلَى أنحاء مختلفة، فِي حق الحر المحصن، والحر البكر، وفي حق العبد، فلو كَانَ المراد بنفي الإيمان ثبوت الكفر، لاستووا فِي العقوبة؛ لأن المكلفين


(١) هكذا فِي بعض النسخ بلفظ "العرسان"، وفي بعضها: "الفرسان" بالفاء، ولعل الصواب: "فأما الْعُرس فلا". والله أعلم.