للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ما تقطع فيه اليد، فتقطع يده، كأنه يقول: فليحذر هَذَا الفعل، وليتوقه، قبل أن تملكه العادة، ويمرن عليها؛ ليسلم منْ سوء مغبته، ووَخِيم عاقبته.

وسبق الخطّابيّ إلى ذلك أبو محمد بن قتيبة، فيما حكاه ابن بطال، فَقَالَ: احتج الخوارج بهذا الْحَدِيث، عَلَى أن القطع يجب فِي قليل الأشياء وكثيرها، ولا حجة لهم فيه، وذلك أن الآية لَمّا نزلت قَالَ عليه السلام ذلك عَلَى ظاهر ما نزل، ثم أعلمه الله أن القطع لا يكون إلا فِي ربع دينار، فكان بيانا لما أُجمل، فوجب المصير إليه، قَالَ: وأما قول الأعمش: إن البيضة فِي هَذَا الْحَدِيث بيضة الحديد، التي تجعل فِي الرأس فِي الحرب، وأن الحبل منْ حبال السفن، فهذا تأويل بعيد، لا يجوز عند منْ يَعرف صحيح كلام العرب؛ لأن كل واحد منْ هذين يبلغ دنانير كثيرة، وهذا ليس موضع تكثير لما سرقه السارق، ولأن منْ عادة العرب والعجم، أن يقولوا: قَبَّح الله فلانا، عَرَّض نفسه للضرب فِي عقد جوهر، وتعرض للعقوبة بالغلول فِي جراب مسك، وإنما العادة فِي مثل هَذَا، أن يقال: لعنه الله، تعرّض لقطع اليد فِي حبل رَثٍّ، اْو فِي كُبَّة شعر، أو رداء خَلَقٍ، وكل ما كَانَ نحو ذلك كَانَ أبلغ. انتهى.

قَالَ الحافظ: ورأيته فِي غريب الْحَدِيث لابن قتيبة، وفيه: حضرت يحيى بن أكثم بمكة، قَالَ: فرأيته يذهب إلى هَذَا التأويل، ويَعجَب به، ويبديء ويعيد، قَالَ: وهذا لا يجوز، فذكره.

وَقَدْ تعقبه أبو بكر بن الأنباري، فَقَالَ: ليس الذي طعن به ابن قتيبة عَلَى تأويل الخبر بشيء؛ لأن البيضة منْ السلاح، ليست عَلَمًا فِي كثرة الثمن، ونهايةً فِي غلو القيمة، فتجري مجرى العقد منْ الجوهر، والجراب منْ المسك، اللذين ربما يساويان الألوف منْ الدنانير، بل البيضة منْ الحديد، ربما اشتريت بأقل مما يجب فيه القطع، وإنما مراد الْحَدِيث، أن السارق يُعَرض قطع يده بما لا غنى له به؛ لأن البيضة منْ السلاح، لا يستغني بها أحد، وحاصله أن المراد بالخبر، أن السارق يسرق الجليل، فتُقطع يده، ويسرق الحقير، فتُقطع يده، فكأنه تعجيز له، وتضعيفٌ لاختياره؛ لكونه باع يده بقليل الثمن، وكثيره.

وَقَالَ المازري: تأول بعض النَّاس البيضة فِي الْحَدِيث، ببيضة الحديد؛ لأنه يساوي نصاب القطع. وحمله بعضهم عَلَى المبالغة فِي التنبيه عَلَى عظم ما خَسِرَ، وحقر ما حَصل، وأراد منْ جنس البيضة والحبل ما يبلغ النصاب.

قَالَ القرطبيّ: ونظير حمله عَلَى المبالغة، ما حُمل عليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "منْ بنى لله مسجدا، ولو كمَفْحَص قطاة"، فإن أحدَ ما قيل فيه: إنه أراد المبالغة فِي ذلك، وإلا