للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولفظه بعد قوله: "أعظمنا ذلك، فجئنا إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقلنا: نحن نَفدِيها بأربعين أوقية، فَقَالَ: تُطَهَّر خير لها"، وكأنهم ظنوا أن الحد يَسقُط بالفدية، كما ظن ذلك منْ أَفتَى والد الْعَسِيف الذي زنى، بأنه يفتدي منه بمائة شاة، ووليدة، ولحديث مسعود هَذَا شاهدٌ عند أحمد منْ حديث عبد الله بن عمرو: "أن امرأة سَرَقت عَلَى عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ قومها: نحن نفديها فقوله: (مَنْ) للاستفهام الإنكاري: أي لا أحد (يَجْتَرِىءُ) بسكون الجيم، وكسر الراء، يفتعل منْ الْجُرأة بضم الجيم، وسكون الراء، وفتح الهمزة، ويجوز فتح الجيم، والراء، مع المدّ، وهي الإقدام (عَلَى رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أُسَامَةَ) والمعنى: أنه لا يوجد أحد يجترىء عليه -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن يكون ذلك الأحد أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما؛ لكونه حِبه، وابن حبه.

وفي رواية الليث الآتية -٤٨٩٠١ - : "قالوا: ومن يجترىء عليه إلا أسامة بن زيد قَالَ الطيبي: الواو عاطفة عَلَى محذوف، تقديره: لا يجترىء عليه أحد لمهابته، لكن أسامة له عليه إدلال، فهو يجسُر عَلَى ذلك.

و"الْحِبّ" -بكسر المهملة، وتشديد الموحّدة-: بمعنى المحبوب، مثل قِسم بمعنى المقسوم، وفي ذلك تلميح بما أخرجه البخاريّ فِي "المناقب" منْ "صحيحه"، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه كَانَ يأخذه، والحسنَ، ويقول: "اللَّهم إني أحبهما، فأحبهما".

وأخرج فِي "الأدب" منْ "صحيحه" أيضًا، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، كَانَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأخذني، فيُقعدني على فخذه، وُيقعد الحسن عدى فخذه الأخرى، ثم يضمهما، ثم يقول: اللَّهم ارحمهما، فإني أرحمهما".

وكان السبب فِي اختصاص أسامة بذلك ما أخرجه ابن سعد، منْ طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ لأسامة: "لا تشفع فِي حَدّ، وكان إذا شَفَعَ شَفَّعَه" -بتشديد الفاء-: أي قبل شفاعته، وكذا وقع فِي مرسل حبيب بن أبي ثابت: "وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشفعة".

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: لا تنافي بين السببين؛ لأن أحدهما نتيجة الآخر، فسبب قبول شفاعته هو كونه حبّه -صلى الله عليه وسلم- وابن حبه رضي الله تعالى عنهما.

(فَكَلَّمُوا أُسَامَةَ) ووقع فِي حديث مسعود بن الأسود عند ابن ماجه بعد قوله: "تطهر خير لها، فلما سمعنا لِين قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أتينا أسامة"، ووقع فِي رواية يونس عند البخاريّ فِي "غزوة الفتح": "ففزع قومها إلى أسامة": أي لجؤا إليه، وفي رواية أيوب ابن موسى عنده أيضًا فِي "الشهادات": "فلم يجترىء أحد أن يكلمه، إلا أسامة".