للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فعله بوحي منْ الله سبحانه، فيكون معنى الْحَدِيث خاصا فيه. والله أعلم.

وتعقّب العلّامة ابن القيّم رحمه الله تعالى منْ ادّعى الإجماع على عدم القتل، والنسخ فِي مسألة قتل شارب الخمر فِي المرة الرابعة، فَقَالَ: أما دعوى الإجماع عَلَى خلافه، فلا إجماع، قَالَ عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو: "ايتوني به فِي الرابعة، فعليّ أن أقتله". وهذا مذهب بعض السلف. وأما ادعاء نسخه بحديث عبد الله بن حمار، فإنما يَتمّ بثبوت تأخره، والإتيان به بعد الرابعة، ومنافاته للأمر بقتله. وأما دعوى نسخه بحديث: "لا يحلّ دم امرىء مسلم، إلا بإحدى ثلاث"، فلا يصحّ؛ لأنه عامّ، وحديث القتل خاصّ، والذي يقتضيه الدليل أن الأمر بقتله ليس حتمًا، ولكنه تعزيرٌ بحسب المصلحة، فإذا أكثر النَّاس منْ الخمر، ولم ينزجروا بالحدّ، فرأى الإمام أن يقتُل فيه قَتَل، ولهذا كَانَ عمر -رضي الله عنه- ينفي فيه مرة، ويَحلق فيه الرأس مرّة، وجلد فيه ثمانين، وَقَدْ جلد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأبو بكر -رضي الله عنه- أربعين، فقتله فِي الرابعة ليس حدًّا، وإنما هو تعزيرٌ بحسب المصلحة، وعلى هَذَا يتخرّج حديث الأمر بقتل السارق، إن صحّ، والله تعالى أعلم. انتهى كلام ابن القيّم فِي "مختصر السنن" ٦/ ٢٣٦ - ٢٣٨.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي قاله الإمام ابن القيّم رحمه الله تعالى منْ التوفيق بين النصوص فِي قضيّة قتل السارق فِي المرة الخامسة، والشارب فِي المرّة الرابعة حسنٌ جدًّا.

وحاصله أن الأمر بقتل السارق، والشارب ليس حدًّا محتومًا، وإنما هو منْ باب التعزيز؛ للمصلحة، فإذا رأى الإمام أن شرّهما مستطيرٌ، وأنهما لا يرتدعان بالحدّ المقرّر، بل يعودان إلى سوء فعلهما، إلا إذا قتلهما، فله ذلك، وهذا لا ينافي عموم "لا يحلّ دم امرىء مسلم … " الْحَدِيث، بل هو داخل فيه؛ لأنه منْ باب قمع المفسدين فِي الأرض، فبهذا تجتمع النصوص، ولا تتعارض. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".

***