والشريعة، والشِّرعة: ما سنّ الله تعالى منْ الدين، وأمر به، كالصوم، والصلاة، والحجّ، والزكاة، وسائر أعمال البرّ، مشتقٌ منْ شاطىء البحر. ومنه قوله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}[المائدة: ٤٨]، قيل فِي تفسيره: الشرعة: الدين، والمنهاج: الطريق، وقيل: الشرعة، والمنهاج جميعًا: الطريق، والطريق هاهنا: الدين، ولكن اللفظ إذا اختلف أتى به بالفاظ يؤكّد بها القصّة والأمر، كقول عَنْتَرَة:
أَقْوَى وَأَقْفَر بَعْدَ أُمِّ الْهَيْثَم
فمعنى أقوى، وأقفر واحدٌ عَلَى الخلوة، إلا أن اللفظين أوكد في الخلوة. وَقَالَ محمد بن يزيد:"شرعةً": معناها: ابتداءُ الطريق، والمنهاج: الطريق المستقيم. وَقَالَ ابن عبّاس:"شرعة ومنهاجًا": سبيلاً وسنّةً. وَقَالَ قتادة:"شرعة ومنهاجًا": الدين واحدٌ، والشريعة مختلفة. وَقَالَ الفرّاء فِي قوله تعالى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ} الآية [١٨]: عَلَى دين، وملّة، ومنهاجٍ، وكلُّ ذلك يقال. وَقَالَ القُتَبيّ:"عَلَى شريعة": عَلَى مثال، ومذهب، ومنه يقال: شرع فلان فِي كذا وكذا: إذا أخذ فيه، ومنه مَشَارع الماء، وهي الْفُرَضُ التي تَشْرَعُ فيها الواردة، ويقال: فلانٌ يَشْتَرع شِرْعته، ويَفْتَطِر فِطْرَته، ويَمْتَلُّ مِلَّتَه، كلُّ ذلك منْ شِرْعة الدين، وفطرته، ومِلّته. وشَرَع الدين يَشْرَعُهُ شَرْعًا: سَنَّه، وفي التنزيل:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}[الشورى: ١٣]، قَالَ ابن الأعرابيّ: شرع: أي أظهر، وَقَالَ فِي قوله:{شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}[الشورى: ٢١]: قَالَ: أظهروا لهم. والشارع الرّبّانيّ: وهو العالم العامل المعلِّمُ. وشرع فلانٌ: إذا أظهر الحقّ، وقَمَعَ الباطل. قَالَ الأزهريّ: معنى شَرَعَ: بيّن، وأوضح، مأخوذٌ منْ شُرِعَ الإِهابُ: إذا شُقَّ، ولم يُزَقَّقْ: أي يجعل زِقّا، ولم يُرَجّل، وهذه ضُرُوب منْ السَّلْخِ معروفة، أوسعها، وأبينها الشَّرْعُ، قَالَ: وإذا أرادوا أن يجعلوها زِقًا سَلَخُوها منْ قِبَل قفاها، ولا يشقّوها شَقًا، وقيل فِي قوله تعالى:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}[الشورى: ١٣]: إن نوحًا -عليه السلام- أوّل منْ أتى بتحريم البنات، والأخوات، والأمّهات، وقوله عز وجل:{وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} الآية [الشورى: ١٣]: أي وشرَعَ لكم ما أوحينا إليك، وما وصينا به الأنبياء قبلك. انتهى "لسان العرب" ٨/ ١٧٦.
وأما الجزء الأول منْ الترجمة -وهو "الإيمان"- ففيه مسائل:
(المسألة الأولى): فِي تعريف الإيمان لغة، وشرعًا:
قَالَ فِي "الفتح" -١/ ٦٧ - ٦٨: الإيمان لغةً التصديق، وشرعًا تصديق الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما جاء به عن ربّه عز وجل، وهذا القدر متَّفقٌ عليه، ثم وقع الاختلاف، هل يُشترط