مالك عن القول بنقصان الإيمان؛ خشية أن يُتَأَوَّل عليه موافقة الخوارج، الذين يُكَفِّرون أهل المعاصي منْ المؤمنين بالذنوب، وَقَدْ قَالَ مالك بنقصان الإيمان، مثل قول جماعة أهل السنة، قَالَ عبد الرزاق: سمعت منْ أدركت منْ شيوخنا، وأصحابنا: سفيان الثوريّ، ومالك بن أنس، وعبيد الله بن عمر، والأوزاعيّ، ومعمر بن راشد، وابن جريج، وسفيان بن عيينة، يقولون: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، وهذا قول ابن مسعود، وحذيفة، والنخعيّ، والحسن البصريّ، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وعبد الله بن المبارك، فالمعنى الذى يستحق به العبد المدح، والولاية منْ المؤمنين، هو إتيانه بهذه الأمور الثلاثة: التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح، وذلك أنه لا خلاف بين الجميع، أنه لو أقر، وعمل عَلَى غير علم منه ومعرفة بربه، لا يستحق اسم مؤمن، ولو عرفه وعمل، وجحد بلسانه، وكذَّب ما عُرف منْ التوحيد، لا يستحق اسم مؤمن، وكذلك إذا أقر بالله تعالى، وبرسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولم يعمل بالفرائض، لا يسمى مؤمنا بالإطلاق، وإن كَانَ فى كلام العرب، يسمى مؤمنا بالتصديق، فذلك غير مستحق فى كلام الله تعالى، لقوله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: ٢ - ٤]، فأخبرنا سبحانه وتعالى: أن المؤمن منْ كانت هذه صفته.
وَقَالَ ابن بطال فى "باب منْ قَالَ الإيمان هو العمل": [فإن قيل]: قد قَدّمتم أن الإيمان هو التصديق، [قيل]: التصديق هو أول منازل الإيمان، ويوجب للمصدق الدخول فيه، ولا يوجب له استكمال منازله، ولا يسمى مؤمنا مطلقا، هَذَا مذهب جماعة أهل السنة، أن الإيمان قول وعمل، قَالَ أبو عبيد: وهو مالك، والثوريّ، والأوزاعيّ، ومن بعدهم، منْ أرباب العلم والسنة، الذين كانوا مصابيح الهدى، وأئمة الدين، منْ أهل الحجاز، والعراق، والشام، وغيرهم. قَالَ ابن بطال: وهذا المعنى أراد البخارى رحمه الله إثباته فى "كتاب الإيمان"، وعليه بوب أبوابه كلها، فَقَالَ:"باب أمور الإيمان"، و"بابٌ الصلاةُ منْ الإيمان"، و"بابٌ الزكاةُ منْ الإيمان"، و"بابٌ الجهادُ منْ الإيمان"، وسائر أبوابه، وانما أراد الردّ عَلَى المرجئة فى قولهم: إن الإيمان قول بلا عمل، وتبيينُ غلطهم، وسوء اعتقادهم، ومخالفتهم للكتاب والسنة، ومذاهبِ الأئمة. ثم قَالَ ابن بطال فى باب آخر: قَالَ المهلب: الإسلام عَلَى الحقيقة هو الإيمان، الذي هو عقد القلب، المصدق لإقرار اللسان، الذي لا ينفع عند الله تعالى غيره. وقالت الكرامية، وبعض المرجئة: الإيمان هو الإقرار باللسان، دون عقد القلب، ومن أقوى ما