[المائدة: ٨٠]، فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وُجد الشرط وُجد المشروط بحرف "لو" التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط، فَقَالَ:{وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ} , فدلّ عَلَى أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء، ويُضادّه، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء فِي القلب، ودلّ ذلك عَلَى أن منْ اتخّذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب، منْ الإيمان بالله، والنبيّ، وما أنزل إليه.
ومثله قوله تعالى:{لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} الآية [المائدة: ٥١]، فإنه أخبر فِي تلك الآيات أن متولّيهم لا يكون مؤمنًا، وأخبر هنا أن متولّيهم هو منهم، فالقرآن يصدّق بعضه بعضًا، قَالَ الله تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} الآية [الزمر: ٢٣]، وكذلك قوله تعالي:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ} الآية [النور: ٦٢] دليلٌ عَلَى أن الذهاب المذكور بدون استئذانه لا يجوز، وأنه يجب أن لا يذهب حَتَّى يستأذن، فمن ذهب، ولم يستأذن، كَانَ قد ترك بعض ما يجب عليه منْ الإيمان، فلهذا نفى عنه الإيمان، فإن حرف "إنما" تدلّ عَلَى إثبات المذكور، ونفي غيره، ومن الأصوليين منْ يقول:"إن" للإثبات، و"ما" للنفي، فإذا جُمع بينهما دلّت عَلَى النفي والإثبات، وليس كذلك عند أهل العربيّة، ومن يتكلّم بعلم، فإن "ما" هذه هي الكافّة التي تدخل عَلَى "إن" وأخواتها، فتكفّها عن العمل؛ لأنها إنما تعمل إذا اختصّت بالجمل الاسميّة، فلما كُفّت بطل عملها، واختصاصها، فصار يليها الجمل الفعليّة، والاسميّة، فتغيّر معناها، وعملها جميعا بانضمام "ما" إليها، وكذلك "كأنما"، وغيرها.